انا جاي انهارده ومعايا مقاله للكاتب يوسف معاطي
وهو طبعا كاتب ساخر غني عن التعريف وهو بصراحه من افضل الكتاب اللي بحب كتاباتهم
والمقاله كانت في جريده الاهرام بعنوان
ولا احنا هنا
والله اني لأعجب.. وأندهش.. بل وأنحني احتراما لتلك العبقرية المصرية في التعامل مع الكوارث والمصائب.. تلك الطريقة الفذة التي انفرد بها شعبنا دونا عن سائر الشعوب الأخري.. ان المصري لا يعترف بأي شيء سلبي يحدث له.. وليس هذا التفاؤل في طبيعته لاسمح الله.. ولا لبرود في دمه ـ أعوذ بالله ـ وإنما لأنه يمتلك نظرة فلسفية ليس لها أي مبرر تجعله ينظر باستخفاف إلي أي مصيبة.. ولا كأنها حصلت من أساسه.. تلك النظرة التي واجه بها المصري القديم الهكسوس وهم يدخلون مصر علي عرباتهم الحربية وكلهم همجية وفرحة حيوانية بالانتصار الساحق.
والمصري القديم ولا هو هنا.. ينظر نحو الإله بتاح.. ويبتسم في ثقة.. ح يعملوا إيه الهكسوس يعني.. عاوزين يقعدوا.. ما يقعدوا.. والسيناريو نفسه تكرر مع الرومان والإغريق والفرنساويين والإنجليز وحتي الألمان.. انظر إلي المصري حينما يزور مريضا.. لا جذع ولا توتر.. وإنما ينظر نحو المريض الذي يكاد يحتضر أمامه ثم يقول له ببساطة: ما انت زي القرد أهوه.. أمال بيقولوا عيان.. ما بلاش السلبطة دي!! وانظر إليه حينما يسمع خبر موت فلان.. تجده يقول ببساطة.. استريح.. حد لاقي الموتة دي!! ببساطة شديدة يقول المصري يا عم ح تفرج.. ما حدش بينام من غير عشا!! ولهذا يا أعزائي.. نتكاثر نحن المصريين بتلك الصورة الفظيعة.. ولا تحديد نسل نافع معانا ولا وسائل منع الحمل شغالة في البلد دي.. ومهما شيدنا كباري فوق الأرض وأنفاق تحت الأرض.. نملؤها بالبشر بعون الله في ظرف عشر دقائق.
وتخيل سعادتك ـ ولماذا تتخيل ما انت مجرب كل ده ـ أن تستيقظ من نومك فتشرب كوبا من الماء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف أنك كنت تشرب كوبا من السبانخ.. ثم تفتح الشباك لتستنشق الهواء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف لماذا يستخدم المصريون عمال علي بطال كلمة زفت في حوارهم اليومي.
نفطر بأه.. طبق الفول المتين ورغيف العيش بزلطه ومساميره.. خراسانة جاهزة نموذجية تجعل معدتك ع المحارة.. وبعد أن تمر من كل هذا يا بطل.. انزل الشارع.. السيارات تمضي والمواطنون أيضا كلاهما يكسر الإشارة..
المواطن والسيارة.. وكل حسب قدرته علي تفادي الآخر.. ولقد اكتسب المصري مقدرة عالمية في المرور بين السيارات برشاقة كراقص باليه محترف.. وعبرنا يا سيدي.. رايح علي فين يا بطل.. تقول انك ذاهب إلي المرج.. وماله نركب القطار.. سيحترق القطار بالتأكيد أو سيرتطم بقطار آخر.. ولكن ماذا يخيف في ذلك, لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير.. ألا تذكر يوم انفجرت أنابيب الغاز عندكم.. ماذا حدث.. ربنا ستر والحمد لله.. وكانت الإصابة في كتفك ونقلوك إلي المستشفي.. وظللت تنزف من الساعة الحادية عشرة مساء حتي أتي الطبيب تاني يوم ليقول إنك تحتاج نقل دم.. وماله.. لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير.. ونقلوا لك الدم وكانت الأكياس ملوثة.. وإيه يعني.. هيه جات ع الأكياس.. يا عم قول يا باسط.. إن الصحافة تبالغ كثيرا وتهول في الأمور.. وهل لو كانت الأمور بهذه الخطورة التي يصورونها.. كنا اقتربنا الآن من ثمانين مليون نسمة؟! تلك هي عظمة شعبنا.. والآن كل الجرائد والكافيهات والسهرات العائلية مشغولة بحديث روتانا وفتيات الليل.. وسمعة مصر, برغم أن مصر الآن صارت في سن يبعدها عن الشبهات.. واحدة عندها سبعة آلاف سنة مش كبيرة يعني, وكلنا يعلم أن مصر لو في وسط ميت راجل لو محافظة علي نفسها خلاص.. كل هذا يحدث والتعديلات الدستورية الجديدة ستناقش في مجلس الشعب.. والمصريين ولا هما هنا.. تعديلات إيه ودستور إيه خليها علي الله.. لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير.. ده بيقولك البت من دول بتكسب عشرة آلاف وربعمائة جنيه في الشهر.. قلت له إزاي.. قال لي عشرتلاف جنيه مرة من شغلها.. وربعمية مرة لما بتتكلم عن شغلها.
عمار يا مصر