لقد أصبح الإعلام بمختلف وسائطه المكتوبة والمسموعة والمرئية من أبرز خصائص هذا العصر وسماته، لذلك صار محل جذب وتوظيف للاستثمار التجاري المربح كما للاستثمار السياسي والثقافي الطامح، وهو كما يعمل على استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات في مجاله، فهو يجازي أحدث التقنيات العلمية وآخر ما توصلت اليه ثورة المعلومات والاتصالات التي ألغت المسافات وحدّدت الأرض وربطت بين بلادها وشعوبها.
وهكذا فإن الإعلام بحضوره الطاغي وبتأثيره البالغ على العقول والنفوس، بات يشكل اليوم سلطة قوية ونافذة تؤثر بشكل كبير في توجيه الرأي العام في سائر المجتمعات نحو الأهداف التي يتوخاها الموجّهون له مهما كانت طبيعة هذه الأهداف.
وإذا كان الجميع يقرّون بضرورة الإعلام وفوائده غير المحدودة في مجالات الحياة والانشطة الانسانية ويرحبون بكل تطوير في إمكاناته المادية والمعنوية، فإن الاختلاف كبير في وجهات النظر حول وظيفة وسائل الإعلام وحدودها وحول حقوقها وواجباتها. إذ نحن أمام توظيف واستخدام متضارب ومتناقض لوسائل الإعلام والمواد الإعلامية والإعلانية، يتراوح بين نشر وبثّ ما هو مفيد ونافع ومحفّز للخير والتقدم في مختلف مجالات الحياة، ومحافظ في الوقت عينه على القيم والمبادئ الدينية والإنسانية والأخلاقية القويمة التي يحرض عليها كل انسان سوي في هذا العالم.. وبين تقديم وعرض كل ماهو مسيئ ومؤذ ومخرّب للنفوس والأجيال والمجتمعات والأوطان، خدمة لأغراض خاصة دنيئة تنمّ عن تقول ونفوس أصحابها المنحرفة.
لذا فإن بإمكان الإعلام أن يكون نعمة وأداة ترفع من شأن الإنسان وتسعى لصيانة مصالحه وحقوقه وتحمل تطلعاته المشروعة بوسائل مشروعة، حدودها الصدق والحقيقة والمبادئ الراسخة، أو ان يكون نقمة وخيبة عندما يتجاوز ويتجاهل هذه المقومات الأساسية، كما هو الحال في الاستخدام السيء لمنجزات العلم المدهشة.
من هنا ننظر الى واقع وممارسات الكثير من الوسائل والمؤسسات الإعلامية في بلادنا العربية والإسلامية، سواء في تناولها للشؤون الحياتية العامة والمسائل الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، أو في مواكبتها للأحداث والقضايا والأزمات الكثيرة التي تمرّ بها بلادنا وأمتنا خاصة في هذه الأوقات العصيبة.. فإذا كنا نسجّل ايجابيات واضحة لبعض هذه الوسائل الإعلامية في الميدانين المذكورين لا يمكن تجاهلها أو تناسي شكرها، فإنه لا يمكن السكوت والتغاضي عن الدور والأداء التخريبي الخطير الذي يقوم به بعضها الآخر على الصعد الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، إذ هي تساهم باصرار في إنتاج وبناء أجيال ومجتمعات هجينة مقطوعة الصلة بتاريخها ودينها وقيمها الأصيلة، مشوّهة المحتوى بالدعوة الى التقليد الأعمى المبتور لانماط من السلوك الغربي المشين بدل التركيز على النواحي القيمة المطلوبة لدى الغرب. وهناك قنوات فضائية وصحف متخصصة بهذا المنحى الخطير وهي قد وجدت حصراً لأجله.
كما لا يمكن إلاّ الوقوف المتأمل عند التعاطي السلبي والمعيب للعديد من وسائل الإعلام والإعلاميين تجاه أخطر القضايا المثارة في هذه الأيام، والتي استدعيت على عجل من بطون التاريخ العربي والإسلامي من غير موجب حقيقي، وهي الفتن المذهبية والقومية والمناطقية، حيث تجري محاولات حثيثة لإحداثها واشاعتها بين شعوبنا وبلداتنا خدمة لأغراض هدّامة ومشاريع خبيثة. ومع ان هناك وسائل إعلامية عديدة تتحلى بروح المسؤولية الى حد معقول حيث هي تعي مسؤوليتها في مواجهة هذه الفتن ومثيريها، وتساعد في الجهود المخلصة المتصدية لها من قبل العلماء وأصحاب الرأي والمواقف البنّاءة.
فهناك وسائل إعلامية أخرى تخدم مباشرة وعن وعي مع الأسف أهداف الساعين الى الفتن والتناحر غير المبرّر، سواء اكانوا من الأجانب المتربصين ببلداننا وأمتنا أو كانوا من يتبنون جهلاً وعناداً آراء تكفيرية وتقسيمية، وذلك بداعي التعصّب الأعمى الذي يتجاهل الآخر المختلف وحقوقه المشروعة، أو تماهياً مع جهات مستفيدة من هذه الأجواء.
وهناك أيضاً من يقف في صف مثيري الفتن عن غير وعي وقصد، عندما لا يبذل جهداً كافياً لتحرّي الحقائق وفهم القضايا بشكل موضوعي يجنّب الوقوع في الأحكام المسبقة الخاطئة، أو عندما يفسح في المجال للأصوات والآراء الشاذة الموتورة أو المأجورة التي همّها استفزاز الآخرين والإساءة الى مشاعرهم، وهذا ما نلمسه باستمرار من إقدام هؤلاء على التهجّم والافتئات على مذاهب وفئات معينة وعلى شخصيات ومرجعيات دينية كبرى محترمة ومقدّرة من الشريحة الأوسع في الأمة، مع محاولات متعمّدة لتشويه دورها البنّاء الفاعل في الإصلاح والدعوة الى التآلف والتماسك، الأمر الذي يثير دائماً ردود فعل غاضبة واستنكارات واسعة، ويوجد حساسيات لا لزوم لها.
إذا ومع الإقرار بحرية الإعلام المسؤول، وبدوره البنّاء المرتجى في ملاحقة قضايا الأمة والعمل على تقويم الاعوجاج فيها، فإننا نرى ان المهمة الأصح والأسمى للإعلام، هي العمل على الجمع والتآلف وتضييق شقة الخلافات بين المتنافرين، لا صبّ الزيت على النار حيناً وتزييف الحقائق أحياناً كثيرة، الأمر الذي يتلقفه الجهلة والمرجفون ليحوّلوه الى أنهار من الدماء البريئة كتلك التي تجري يومياً على أرض بلادنا الطيّبة، وهي – لا شك – تشكو الى الله تعالى ظلم من شارك ولو بالكلمة في التسبب بسفكها حراماً.
وليس لنا إلاّ ان نقول لهؤلاء كما قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً" (الأحزاب:33).
أو كما قال رسوله الحبيب الأكرم (ص): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً وليصمت".
المصدر: مجلة نورالاسلام
تاریخ الخبر: 8/10/2007