المدخل إلى الفلسفة اللاهوتية
المسيحية ... مقدمة عامة
يظن عوامُّ المثقفين أن الأسس الفلسفية للاّهوت المسيحي من وضع بولس في
البداية ثم إضافات أوجستينوس وتوماس أكويناس وغيرهم بعد ذلك، وهذا خطأ
كبير، فأصحابُ تلك الأسماء اقتصر دورهم على تقديم اللاهوت المسيحي في صورة
فلسفية، تلك الصورة الفلسفية لم تكن من وضعهم هم، لكنها كانت من وضع فلاسفة
- وثنيين - سابقين على المسيحية مثل بلاتون (أفلاطون) ولاسيما نظريته في
المُثُل وقِدم الأرواح وغيرها، لذلك فإن دراسة الفلسفة الأفلاطونية جزء
أساسي من أجزاء المنهج التكويني في كليات اللاهوت، لا سيما الكاثوليكي، في
جامعات الغرب. إضافة إلى أفلاطون استفاد اللاهوتيون بشكل أكبر ومركز من
فيلسوف معاصر للمسيح لا يعرفه كثير من الناس لكنه ذو أثر خطير جداً على
الفكر الفلسفي المسيحي وهو الفيلسوف اليهودي فيلوس ألكساندريوس (فيلون
السكندري) صاحب نظرية اللوجس الشهيرة والتي تبناها يوحنان (يوحنا) اللاهوتي
في انجيله وعليها مدار العقيدة المسيحية في جزءها الأول، وهي عقيدة
التثليث. أما الفيلسوف الثالث من الفلاسفة الوثنيين الذين استخدم
اللاهوتيين تعاليمهم لصياغة الفكر الفلسفي المسيحي فهو بلوتين (أفلوطين)
أبرز مفكري المدرسة الأفلاطونية الحديثة والذي ولِد بعد عصر المسيح وعاش في
مصر ثم في روما.
هؤلاء الثلاثة هم الفلاسفة الحقيقيون للفلسفة اللاهوتية المسيحية (أرجو
التفرقة بين اللاهوت المسيحي كتخصص ديني، وفلسفة اللاهوت المسيحي كتخصص
فلسفي). أما اللاهوتيون المتقدمون كبولس الرسول أو يوحنان الإنجيلي أو آباء
الكنيسة كأوجستينوس وبوئيثوس أثناسيوس السكندري، أو المدرسيون كتوماس
أكويناس، ومارسيليو دي بادو وغيرهم فاقتصر دورهم على صياغة تلك التعاليم
الفلسفية في قالب لاهوتي بسيط، وبرغم ذلك لم يتقبله العقلُ، مما دعى بتوماس
أكويناس لصياغة نظريته الشهيرة في مذهب الحقيقة المزدوجة، والتي تزعم أن
فكرة ما ربما لا يقبلها العقل وتكون برغم ذلك صحيحة لاهوتياً، وهي نظرية
فاسدة الهدف منها ترويج اللاهوت المسيحي بين الناس على أساس أنه مسألة
قلبية، ومازالت تلك النظرية الأكوينية سائدة في الأوساط الكنسية المختلفة
إلى يومنا هذا.
فإذا رجعنا إلى مثلث الفلاسفة المؤسسين لفلسفة اللاهوت المسيحي، أفلاطون
وفيلون وأفلوطين، لوجدنا اثنين منهما قد عاشا في مصر، وهما فيلون وأفلوطين،
مما يلقي بظلالٍ من الشك حول مدى استفادتهم من الفلسفة المصرية القديمة
ولا سيما فلسفة الصليب وفلسفة الثالوث اوزوريس وايزيس وحورس بسميائيتهما
الواضحة، لصياغة فكر تثليثي جديد تم تطويره وتطبيقه على الفكر المسيحي في
صورة جديدة تستند على دعامتين تشكلان محور اللاهوت المسيحي وهما دعامة
الأقانيم الثلاثة، أو الإله الواحد الجوهر المثلث الأقانيم، ودعامة الصلب
والفداء.
آمل أن يسمح الوقت في المستقبل لتفصيل تلك الصورة المجملة التي رسمتُ
ملامحها في السطور القليلة السابقة، لا سيما الحديث عن أثر فلسفتي فيلون
وأفلوطين على اللاهوت المسيحي، وإن لم يتسع الوقت فآمل أن يتولى الدكتور
سيد آدم، بصفته أستاذنا أولاً، ومتخصصاً في الفلسفة ثانياً، أن يفيدنا
بعلمه في هذا الموضوع، إذ أنه لا يُفتى والفيلسوفُ في الأكاديمية.
تحياتي
تغريد