| الخطاب النقدي عند المعتزلة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:50 am | |
| الخطاب النقدي عند المعتزلة الأستاذ الدكتور
كريم الوائلي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة ليست القراءة فعلا فيزيولوجيا يتأتى بإحداث الوحدات الصوتية عبر النطق بحسب ما تقتضيه الأنظمة اللغوية لأي لغة، وإنما القراءة، سواء أكانت قراءة للعالم بوصفه وجودا يقع خارج الذات الإنسانية، أو نصا بوصفه تشكيلا لغويا، تعني : الفهم، ومن ثم فإنها تمثل نشاطا معرفيا ذهنيا يختلف ويتفاوت بحسب رؤية القارئ وبحسب طبيعة نظرته إلى العالم أو النص، والزاوية التي يتم الصدور عنها. إن القراءة في ضوء هذا الفهم مولدة للمعاني وكاشفة للصور التي يتضمنها العالم والنص، ومن ثم فإنها تعيد إنتاج المقروء ،فكأن المقروء ـ عالما أو نصا ـ موجودا، ويصبح بعد القراءة موجودا آخر، لأن القراءة ليست نقلا للمقروء، أو إحضارا له، وإنما يضفي القارئ على المقروء رؤيته، وذاته، وخصوصيته، ويتولد من العلاقة بينهما مركب جديد، ليس هو المقروء تماما، وليس هو القارئ بما هو عليه، وإنما هو مركب منهما معا بكيفية خاصة، ولذلك تتفاوت القراءات لاختلاف القراء، وكأن المقروء ثابت قبل القراءة، وتتغير صورته ومعانيه ودلالاته بفعل عملية القراءة التي ترتبط بخصوصية القارئ ورؤيته . ويمكن القول تجاوزا أن النص قبل القراءة يعرف استقرارا نسبيا في دلالته ومعانيه، ولكنه ـ في الحقيقة ـ استقرار متوهم، إذ لا وجود حقيقي للنص إلا في أثناء قراءته، نعم هناك وجود موضوعي فيزيفي للنص خارج الذات الإنسانية ـ متمثلا في الكتب ـ التي أنتجته، أو تقرأه ،ولكنه وجود هامد، ولكن وجودها الفعلي يتحقق عبر قراءته . وليست هناك قراءة صحيحة وقراءة خاطئة وإنما هناك قراءة ممكنة يحتمل النص دلالاتها ويعكس القارئ رؤيته ومواقفه من خلالها، وهناك قراءة غير ممكنة، لعدم احتمال النص دلالتها، وبخاصة القراءة الاسقاطية . إن قراءة النص بمعنى فهمه تتضمن الأبعاد التالية : 1 ـ الفهم المباشر دون حاجة إلى تفسير أو تأويل . 2 ـ التفسير، إذ حين يستعصي الفهم المباشر نشأت الحاجة إلى الانتقال إلى فهم آخر يقتضيه السياق وقرائن اللغة، فإن كلمة الوحي حين ترد دون سياق أو قرينة لغوية لها دلالة تعني الوحي الذي يتنزل من السماء على الأنبياء، متمثلا في جبريل، عليه السلام، ومن ثم تختلف عن معناها في قوله تعالى : « وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ». 3 ـ التأويل : وهو مرحلة متقدمة في فهم النص، تعني إخراج اللفظ من معناه الحقيقي الذي يدل عليه الفهم المباشر، او سياقاته، إلى معناه المجازي . ولذلك فإن التفسير بيان وضع اللفظ حقيقة كتفسير الصراط بالطريق والتأويل إظهار باطن اللفظ ... فالتأويل خاص والتفسير عام فكل تأويل تفسير وليس كل تفسير تأويلا. وتتركب عملية القراءة من ثلاثة مكونات : القارئ، والمقروء، وناتج القراءة، وقد يوحي ترتيب هذه الأبعاد أوالية القارئ، بمعنى فاعليته، وانفعالية النص، ,بحيث تكون القراءة مجرد نتيجة لعملية ميكانيكية ـ تتماثل فيها النتائج والمقدمات، وليس هذا صحيحا في الواقع، لأن هناك جدلا بين القارئ والمقروء، يتولد من تفاعلهما المحتدم وتصارعهما بفعل العلاقات المتشابكة والمعقدة والمتداخلة، ناتج القراءة، ويشتمل كل من عنصري عملية القراءة « القارئ / المقروء » على خصائص تميزه، وإن إغفال هذه الخصوصية وأدراك أهميتها يقود بالضرورة الى فهم سلبي لعملية القراءة والنتائج المتولدة منها , بمعنى أن إغفال هذه الخصوصية أو التهوين من قيمتها وأهميتها، يعني هيمنة أحد طرفي عملية القراءة، فإما أن تكون الذات فاعلة إزاء موضوعها، بحيث تلغي المقروء، أو تقرأه خارج دلالاته وسياقاته، أو أن يهيمن المقروء على القارئ، فيتحول الى مجرد ناقل، وكلا الأمرين يعني ناتجا سلبيا، يلغي أحد طرفي المعادلة، ويقدم قراءة أقل ما يقال عنها أنها قراءة سلبية . وقد تكون القراءة السلبية ذاتية تتخذ من التراث وسيلة دفاعية يؤكد فيها القارئ ذاته، بحيث يستعيد المعايير التراثية ويضخم من جوانبها الإيجابية، ويحاول إسقاطها على الحاضر والمستقبل، والهدف من ذلك الاحتماء بالتراث في مواجهة تيارات معاصرة، وعلى الرغم من سلبية هذه القراءة فإنها في الوقت نفسه يمكن أن تسهم في بداية لقراءة نقدية واعية، لأنها تستبعد الجوانب السلبية في عصور الانحطاط، والأهم من هذا أنها تحذر من الانسياق وراء القراءة الشكلية والسقوط في الإنجازات المستوردة، غير أن التوقف عند هذه الغاية لن يحقق جديدا، لأن التراث يمارس سلطته على الحاضر والمستقبل ،وهذا ما حصل فعلا في القراءة الإحيائية التي هيمنت فيها الأصول القديمة بشكليتها وحرفيتها، وأصبحت غاية مقصودة لذاتها. | |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:50 am | |
| إن القراءة الفاعلة التي يتبناها هذا الكتاب تعني : 1 ـ تأكيد أهمية تاريخية المقروء ، بمعنى أنها تنفي المعايير والأحكام المسبقة القائمة على أساس ديني ، أو مذهبي ، ومحاولة تأمل أي ظاهرة في إطار سياقها التاريخي والاجتماعي ، أي قراءة النص بوصفه موجودا هناك في الماضي ، وأن وجوده محكوم بسياقات معرفية وتاريخية واجتماعية ، وان اجتزاءه عن سياقه تعني قراءة ناقصة ومشوهة له . إن التراث جزء من بناء معرفي أشمل ، وجزء من منظومة ، وينبغي فهمه في إطار منظومته ، وإن إخراجه عن منظومته يعني فهما مخلا لطبيعته وماهيته . 2 ـ إن فهم التراث بوصفه موجودا هناك في إطار سياقه التاريخي لا يعني بالضرورة أنه منفصل عن القارئ إذ يمكن تأمله وفهمه وإدراك دلالاته . 3 ـ نفي القراءة الانطباعية الانفعالية التي تصدر أحكاما مسبقة على الأشياء وتقيم قراءة تتأسس على عقلانية منهجية تؤكد أهمية النظر ، وتعلي من شأن التحليل والتعليل . إنّ هذا النمط من الدراسة يوازن في الوعي بين إنجازات التراث النقدي وإمكاناته الفكرية والفنية وبين الوعي بالحاضر الذي يرفدنا برؤى وأدوات وتقنيات إجرائية، وتولّد من تلاحم الوعيين ـ الماضي والحاضر ـ تجادل متفاعل يجعل الدارس متبصراً بمعضلات الحاضر النقدية ونظائرها في التراث، وهذا من شأنه أن يدفع إلى تحسس هويتنا التي أخذت تترنح بين التغريب والتجهيل، كما أنه يبعث على إقامة حوار مستمر مثمر لا قطيعة فيه بين ماضينا وحاضرنا، ومن هنا تكتسب العلاقة الجدلية الفاعلة بالتراث أهميتها وحيويتها، وتتأكد جدواها وفائدتها . إنّ تركيز البحث على دراسة المعتزلة يعني الكشف عن تصورات هذه المدرسة الفكرية المتميزة في أثناء معالجتها للقضية النقدية من زواياها المختلفة، كما أنه يساعد على الإحاطة الشاملة لوحدة تصور متكامل للمعضلات النقدية دون التشتت بين الآراء المختلفة والتيارات المتباينة، كما أنه يكشف من زاوية أخرى عن مقدار انسجام أتباع هذه المدرسة أو افتراقهم عن الأصول الفكرية والعقائدية التي يصدرون عنها، ومقدار التزامهم بالتحليل العقلي لاعتبارهم العقل أداتهم الجوهرية المتميزة. واتجه البحث إلى دراسة المقياس النقدي الذي يستخدمه الناقد في تفسير النص الأدبي وتحليله وتقويمه، ويسعى البحث ـ من هذه الناحية ـ إلى الكشف عن آثار الفكر الاعتزالي في تحديد مكونات المقياس، وتحديد دوره في التفاعل مع النص الشعري، والكيفية التي يسهم فيها المقياس في تمكين الناقد من درس النص الأدبي متجاوباً مع تفكيره من ناحية، ومستغلاً أدواته النقدية من ناحية ثانية . إنّ المقياس النقدي لا ينفصل عن الفكر الذي يصدر عنه، ولا يبتعد عن طبيعة المشكلات التي أفرزها الواقع بل هو خاضع لهما بدرجات متفاوتة، بحسب نوعية المقياس ودوره في معالجة النص الأدبي، وبحسب إجابته عن المعضلات التي يشتمل عليها الواقع، كما أنّ المقياس النقدي ليس منفصلاً عن العناصر الجوهرية المكونة للتصور النظري النقدي إن لم يمثل الجوهر الذي يرتكز عليه هذا التصور، ولذا فإنّ دراسة المقياس النقدي تمثل تحاوراً وتفاعلاً بين الفكر وأدوات التحليل من ناحية، وبين الفكر والتصورات النقدية من ناحية ثانية، كما أنه يمثل تأسيساً لـ » نظرية للشعر« في التراث النقدي من ناحية ثالثة . ويتأسس هذا البحث على تمهيد وأربعة فصول، وخصصت التمهيد للعناية بمحورين : يعنى أولهما : بوصف مصادر البحث وتقويم مراجعه، وتتركز فيه العناية، بوصف مصادر البحث من جهتي المضمون والبيبلوغرافيا من ناحية، وتقويم الدراسات التي تعرضت إلى موضوع بحثنا على نحو من الأنحاء من ناحية ثانية، ويعنى المحور الثاني : بالأصول الفكرية للمعتزلة التي يتجلى من خلالها موقفهم من الله والعالم والإنسان . ويتخصص الفصل الأول بـ» المقياس اللغوي « وهو يهدف إلى الكشف عن جماليات الأنظمة اللغوية ـ صوتية، وصرفية، ونحوية ـ ويركز على التمايز بين معيارية هذه الأنظمة ومدى توظيفها لتأدية دلالات جمالية، ويحاول الكشف عن القوانين التي تتحكم في هذه الأنظمة ومدى كشفها عن جماليات يسعى الناقد إلى تأصيلها . أما الفصل الثاني فيعنى بـ »المقياس البلاغي « الذي يعنى أساساً بالتمايز بين الأداء النمطي ـ العادي ـ والأداء الفني ـ الأدبي ـ من حيث التشكيل، ومن حيث التغير الوظيفي، ويعنى أيضاً بالأنماط البلاغية التي يعتمدها هذان المستويان من الأداء، مما اقتضى تتبعاً لموضوعات عديدة : كالمحكم والمتشابه، والمجاز، والتشبيه، والاستعارة، ونحوها . ويتخصص الفصل الثالث بـ» المقياس النقدي « الذي يعنى بأربعة مقومات جوهرية في النظرية النقدية، أولها : لغة الشعر من حيث تشكيل هذه اللغة وتمايزها عن الأنماط اللغوية الأخرى، وثانيها : الإيقاع، ومقدار ما يؤديه من وظيفة من جهتي التشكيل من ناحية، والتأثير بالمتلقي من ناحية ثانية، وثالثها : الصورة الشعرية، من حيث وظيفتها وأنماطها وكيفية تشكيلها، ورابعها : بنية القصيدة في ضوء تركيب أبياتها، وتتالي وحداتها المختلفة . ويعنى الفصل الرابع بـ» المقياس الجمالي « إذ يدرس » قيمة « الشعر من حيث علاقتها بالحسن والقبح العقليين، ومن حيث مكوناتها الخارجية والتشكيلية ، كما يدرس »المثل الأعلى « بوصفه معياراً جمالياً وعلاقته بالصورة الذهنية من جهة، وبالواقع من جهة ثانية، وكيفية تأدية دوره في تشكيل القصيدة،كما يعنى هذا الفصل بماهية الشعر من حيث المكونات الشكلية والخصائص النوعية، وتوقف أخيراً عند مهمة الشعر، إن كانت توصيلية أو تزيينية أو نحوهما . إنّ هذا البحث قد تتبع مقاييس نقد الشعر من أبسط مستوياتها إلى أكثرها شمولاً، بمعنى أنه تتبع المقاييس ابتداء من عنايتها الجزئية بالوحدات الصوتية منفصلة أو ممزوجة بغيرها، ومروراً بالعناية بالأشكال البلاغية المتعددة، فضلاً عن تتبعه لغة الشعر والإيقاع والصورة وبنية القصيدة، وانتهاء بتتبع الأبعاد القيمية للنص الشعري، وماهية الشعر وتأديته للوظائف المختلفة، وهذا يعني أنّ البحث قد أحاط في الوقت نفسه بمقومات »نظرية الشعر « من زوايا مختلفة . وينبغي أن أؤكد قضية مفادها أنّ توزيع مقاييس نقد الشعر بأنماطها المختلفة ـ لغوية، وبلاغية، ونقدية، وجمالية ـ إنما هو تقسيم فرضته طبيعة البحث، لأن هذه المقاييس ليست مستقلة ـ في الحقيقة ـ عن بعضها، فهي تتفاعل وتتقاطع، وتشترك في بعض المكونات والخصائص، فالمقياس اللغوي ـ مثلا ـ ليس مستقلا عن أداء أبعاد جمالية، كما أنّ المقياس البلاغي ليس منفصلاً عن الأنظمة اللغوية، فالفصل ـ في هذا السياق ـ متعمد فرضته طبيعة البحث . أ . د . كريم عبيد هليل الوائلي
التمهيد
الأصول الفكرية للمعتزلة
( 1 ) إذا استثنينا المعرفة الضرورية التي أودعها الله فطرياً في الإنسان فإنَّ للمعرفة لدى المعتزلة بعدين جوهريين : أحدهما عقلي، والآخر نقلي، غير أنّ هذا التصنيف لبعدي المعرفة ليس دقيقاً تماماً، إذ إنّ أحدهما يسبق الآخر ويتأسس عليه، ففي حين يحتل العقل مكان الصدارة، ويعوّل عليه كغاية ومعيار في آن، يتراجع النقل ـ الكتاب والسنة ـ إلى أداة نصية تخضع لأبعاد العقل، وحدوده، ولذا حصل التفاوت بين هذين البعدين ليكون العقل سابقاً، ويستخدمه الإنسان ليكشف به عن الحقيقة وعن الحكم الشرعي على نحو إجمالي، ويكون النقل لاحقاً للعقل وخاضعاً له، وقابلاً للتفسير في ضوء معطياته . ولقد عني المعتزلة كثيراً بالعقل واعتبروه أداتهم المعرفية الأساسية، واستخدموه في الجدل والنقاش، وأخضعوا له الظواهر الفلسفية الكبرى، وأقاموا على أساسه تصورهم عن الله والعالم والإنسان، ومن هنا جاء الحديث عن سبق العقل للسمع، وتحكّمه فيه، بل إنّ معرفة السمع لا تصح إلا بالعقل [1]، بمعنى أنّ معرفة القرآن ومعرفة الرسول لا تتم إلا بوجود العقل لأنهما ـ أي الرسول والقرآن ـ عرفا به، ولم يعرف بهما [2] . وتتخلق المعرفة لدى الإنسان أساساً، فهو الذي يصنعها مستعيناً بقدرته وبفعله النابع من هذه القدرة من ناحية، ومعتمداً على حرية الإرادة الإنسانية من ناحية ثانية، ولذلك فإنّ المعرفة التي يتلقاها الإنسان عن طريق الوحي ليست متقدمة على المعرفة الإنسانية، غاية ما في الأمر أنّ الأولى ـ أي الوحي ـ تزيد الثانية تخصيصاً، ليخلص المعتزلة من هذا إلى أنّ بعدي المعرفة متطابقان، وأنْ لا تناقض بين المعقول والمنقول، لأنّ الإنسان قادر بعقله على أنْ يميز بين الحسن والقبح، والشر والخير، وأنّ النص يؤكد ما توصل اليه العقل، ويزيـده تخصيصاً، أو أنه يعـرّفنا «بتفصيل الجملة المستقرة في العقل»[3] ولذلك أكد المعتزلة أنّ الإنسان مكلف نـزل الوحي أو لم ينـزل، ما دام الإنسان كائناً عاقلاً قادراً بعقله على الكشف والتمييز بين الحسن والقبح. وحين يتعارض العقل والسمع، أو الدليل العقلي والدليل السمعي، فإنّ الدليل السمعي يخضع للدليل العقلي تأويلاً وتفسيراً، وهذا يعني أنّ رؤية الإنسان تُلقى ظلالها على النص السمعي فتصبغه بطابعها الخاص، على الرغم من أنّ المعتزلة تؤكد تطابق الدليلين، وتطابق نمطي المعرفتين العقلية والنقلية ، ويبقى التمايز بين المعرفتين قائماً، فالمعرفة البشرية تمثل تصوراً متخلقاً في داخل الإنسان، ونابعاً من إرادته وفعله، ومقترناً بعقله، أما المعرفة الإلهية فإنها تمثل تصوراً يفسر للإنسان : الله، والعالم، والإنسان، غير أنّ الإنسان يتحول إزاءها من مبدع إلى متلقٍ، فهو ليس صانعاً للمعرفة، وليس مسهماً في إيجادها، وإنما هو متلقٍ سيكون على أحسن الأحوال واعياً لمعطياتها . ونخلص من هذا إلى أنّ المعتزلة أصحاب نـزعة عقلية متميزة، فقد جعلوا العقل أداتهم في معالجة القضايا والظواهر، لأنه يمثل القوة القادرة على إرساء البناء الفكري، وبدونه لا يمكن إدراك الحقائق، كما أنه لا يمكنه أن يكشف عن القضايا إلا إذا بلغ درجة من النضج، وليس شرطاً تحقيق هذا بالوحي، لأنه ـ أي العقل ـ قادر بذاته، والقدرة تعني اشتماله على مجموعة من المعارف والعلوم الخاصة التي متى »صحت في المكلف صح منه النظر والاستـدلال والقيام بأداء ما كلف «[4] . | |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:51 am | |
| يرتكز الاعتزال على أصول خمسة هي بحسب أهميتها في الترتيب : التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنـزلة بين المنـزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فبـ«التوحيد« : يتحدد موقف المعتزلة من الله والعالم، وبـ » العدل « : يتحدد موقفهم من الإنسان وحريته، ويمثل التوحيد والعدل الركنين الأساسين اللذين تتفرع عنهما بقية الأصول، إذ ينطوي » الوعد والوعيد « : على موقف المعتزلة من مصير الإنسان، ويتحدد في » المنـزلة بين المنـزلتين « : موقف المعتزلة من النظرية الأخلاقية، في حين يحدد «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » : موقفهم من القضية السياسية . ويعني » التوحيد « لدى المعتزلة تنـزيه الله سبحانه عن المماثلة والمشابهة لما سواه، فهو القديم الذي » لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفياً وإثباتاً على الحد الذي يستحقه[5]«، والتوحيد متعلق بالذات الإلهية وتنـزيهها، وقد قاد هذا إلى الحديث عن صفات الله، وقسمها المعتزلة إلى : صفات ذات، وصفات أفعال، أما الأولى : فإنّ الله لا يوصف بأضدادها، ولا بالقدرة على أضدادها، كالقدرة، والعلم، والحياة، والوجود ، ويجوز في الثانية : أن يوصف الله بأضدادها، وبالقدرة على أضدادها، ومنها الكلام، أي كلام الله، الذي تفرعت عنه قضية خلق القرآن الشهيرة. ويتصل التوحيد من زاوية أخرى بالإنسان وكيفية توحيده لله، إذ لا يصح أن يكون الإنسان موحدا إلا إذا علم بوحدانية الله، وما يستحق من صفات، ولابدّ له من الاعتقاد مع العلم والإقرار بذلك، لأن الإنسان « لو علم ولم يقرّ، أو أقر ّولم يعلم لم يكن موحداً »[6] . وإذا كان التوحيد تنـزيه الله عن المماثلة والمشابهة لما سواه، فإنّ العدل تنـزيه الله عن الظلم، والظلم ـ كما يعرّفه القاضي عبد الجبار بن أحمد ـ » وضع الشي في غير موضعه «[7]، وفي ضوء مفهوم المخالفة فإنّ العدل يعني وضع الشيء في موضعه ، ويقود مفهوم العدل إلى أنّ أفعال الله كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يخل بما هو واجب عليه، أو أنّ العدل تنـزيهه ـ سبحانه ـ عن أمور ثلاثة : أولـهـا : القبائح أجمع . وثانيها : تنـزيهه عن أنْ لا يفعل ما يجب من ثواب وغيره . وثالثها : تنـزيهه عن التعبد بالقبيح وخلاف المصلحة وإثبات جميع أفعاله حكمة وعدلاً وصواباً [8] . ويتصل مفهوم العدل من ناحية أخرى بالإنسان وحريته، لأن عدالة الله تقتضي أنّ الله لا يكلف الإنسان ما لا يطيقه، كما أنّ الإنسان حر في إرادته واختياره، وحر في قدرته على خلق أفعاله خيرها وشرها ، وإذا كان الإنسان يصنع أفعاله بإرادته جاز أنْ نصفها بالحسن والقبح، ويرى المعتزلة أنه يمكن بالعقل إدراك قبح الأشياء والظواهر والأعمال وحسنها، وأنّ الحسن والقبح يمثلان قيماً ذاتية كائنة في الأشياء والأفعال، ولهذا فهما بُعدان عقليان ثابتان، وليسا نسبيين يتغيران بتغير الأزمان والأذواق . أما الوعد والوعيد فعلى الرغم من أنهما محكمان بمنطق العقل ومرتبطان بالفعل الإنساني فإنهما ينبئان عن مصير الإنسان في العالم الآخر، لأنّ الإنسان مكلف في هذه الحياة، فلابدّ له من حساب على أعماله هذه، وهذا يعني ارتباط أفعال الإنسان بالعدالة الإلهية من ناحية، وبالحرية الإنسانية من ناحية أخرى، ولذا فإنّ الوعد والوعيد مقترنان بوعي الإنسان بأنّ الله » وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب، وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب«[9] . ولقد عُرفت المعتزلة بمقولتها الشهيرة » المنـزلة بين المنـزلتين « في حق مرتكب الكبيرة، وقد اختلفت الفرق الإسلامية في موقفها من مرتكب الكبيرة، فذهب بعضها إلى إيمانه، وذهب بعضها إلى كفره، غير أنّ المعتزلة توسطت في ذلك، وجعلت مرتكب الكبيرة فاسقاً، فهو في منـزلة بين منـزلتي الكفر والإيمان، أي أنه ليس مؤمناً، لأن المؤمن لا يرتكب الكبيرة، وإن ارتكبها تاب عنها، وهو ليس كافراً، لأنه موحدٌ مؤمن بالله، فهو فاسق، وأن أحكام المؤمن لا تجري عليه، وكـذلك أحـكام الكـافر، فله «اسـم بين الاسمين وحـكم بين الحكمين«[10] . ويمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداة تغييرية يسعى المعتزلة إلى تمكينها في الواقع الاجتماعي لتقود إلى بعدين : أخلاقي وسياسي في آن واحد، ويستدل المعتزلة بالعقل لتحقيق هذا البعد، لأنه من الحسن العقلي أن يمنع المعتزلي فعل القبيح، كما يستعينون بالنقل من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية لتعضيد وجهة نظرهم، وقد قسّم المعتزلة المعروف إلى واجب ومندوب، أما المناكير فكلها من باب واحدة، ويجب النهي عنها، لأنّ »النهي إنما يجب لقبحها، والقبح ثابت في الجميع «[11] . وقد عني المعتزلة بحرية الإنسان لكونها تؤكد أهمية العقل ودوره في اختيار الإنسان لأفعاله من ناحية، ولكونها تؤكد العدل الإلهي أحد أبرز أركان الأيديولوجية الاعتزالية من ناحية ثانية، وترتبط المسئولية بالحرية ارتباط المعلول بعلته، فإنْ انتفت الحرية انتفت المسئولية، إذ كيف يكلف الله سبحانه الإنسان وهو مجبر على أفعاله، وكيف يثيبه أو يعاقبه على فعل لم يرتكبه ؟ . وقد حد المعتزلة الفعل بأنه » ما يحصل من قادر من الحوادث «[12] وتتأتى أهمية القدرة لتعني الإحداث والإيجاد، لأنّ كل ما يحدث من القادر يقال له فعله، ويقاس الغائب على الشاهد، فكما انّ الكتابة تحدث من الكاتب، ونقول إنها فعله، كذلك يقال عن الأجسام التي أحدثها الله إنها فعله . | |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:51 am | |
| إوالفعل بهذا المعنى لا يصح صدوره عن النسان كما لا يتم تحقيقه إلا بقدرة سابقة لوجود الفعل، والقدرة ـ كما يقول القاضي عبد الجبار بن أحمد ـ » معنى موجود في الجسم، يصح من العبد الفعل، والتصرف بها، ويمكن لأجله أن يتحرك بدلاً من أن يسكن، وأن يقوم بدلاً من أن يقعد، والله عز وجل ركبها في جسم العبد كي يطيع ولا يعصي «[13] فالقدرة في ضوء هذا كله تتسم بالخصائص الآتية : أنها من أفعال الله وقد ركبها في جسم الإنسان . تتميز القدرة بأنها أداة، شأنها شأن السيف، إذ يصلح السيف لقتل المؤمن، ويصلح للجهاد في سبيل الله، وتكمن وظيفة القدرة في إحداث الفعل، وإخراجه من العدم إلى الوجود ـ على حد تعبير القاضي عبد الجبار بن أحمد [14] ـ أو أنها صفة يتمكن بها الإنسان من الفعل أو الترك[15]. لا يتم الفعل إلا بها، إذ يصح من الإنسان الفعل والتصرف بها، بحيث يمكن أن يتحرك وإن يسكن، وأن يقوم وأن يقعد . إنَّ القدرة تسبق الفعل، فهي متقدمة عليه، ولا تقع القدرة بوقوع الفعل، فالقدرة »متقدمة على مقدورها غير مقارنة له «[16] . ونخلص من هذا إلى أنّ الله سبحانه أقدر البشر على خلق الأفعال، وهذه الأفعال على ضربين : ضرب يصدر عن الإنسان وتكون القدرة هي التي أحدثته، ولكنه خالٍ من قصد الإنسان وإرادته، لأنّ القادر قد يحدث الفعل لمجرد كونه قادراً، وهو ما يصدر عن الساهي والنائم، وهو ما أطلق عليه القاضي عبد الجبار بن أحمد بأنه » ما له صفة زائدة على حدوثه وصفة من جنسه «[17] أما الآخر فيقترن بقصد الإنسان وإرادته، أو هو » ما ليس له صفة زائدة على ذلك «[18] أو » أنه فعل العالم بما يفعله«[19] ، فالضرب الأول : يفتقر إلى القصد والإرادة، والثاني : يقترن بهما، إذن فهناك أفعال مقترنة بالإرادة، وأخرى مفتقرة إليها، وهي الأفعال اللاإرادية، والإنسان ليس مسئولاً عنها، لأنها لم تقع بحسب قصده ودواعيه، ولا تنتفي بحسب كراهته، وهي بخلاف الأفعال الإرادية التي تقع بحسب قصد الإنسان ودواعيه، أي أنها مقترنة بإرادته، وحين يؤكد القاضي عبد الجبار بن أحمد اتفاق أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرفهم، فإنه يقصد أفعالهم الإرادية، وما يتولد عنها، وهي التي يصدق عليها أنه لا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأنّ الله أقدرهم عليها، أي أوجد القدرة فيهم لتمكينهم من خلق هذه الأفعال [20] . إذن فالفعل الإرادي ـ في ضوء ما سلف ـ هو ما توافر فيه عنصران : أولهما : القدرة بكل خصائصها السالفة، وثانيهما : الإرادة التي تقتضي حدوث الفعل على هذا الوجه دون سواه [21]، كما أنها تمثل مَيلاً بالنفس باعتقاد النفع [22]، ومن هنا تتأتى الرغبة في إحداث الفعل أو العزم على تحقيقه، وينطوي هذا المعنى للإرادة على تفكير ومعرفة، لأنّ النفس الإنسانية لا تميل إلا بعد أنْ تعرف وتختار، بل إنّ الاختيار ـ عند القاضي عبـد الجبـار بن أحمد ـ إنما هـو إرادة بالنتيجة [23]، ولذلك جاء الحديث عن القصود والدواعي والكواره والصوارف لأنه بموجبها يقع الفعل أو يمتنع . ويُحدث الإنسان الأفعال لأنها واقعة من جهته بحسب قصده ودواعيه وعلمه وقدرته، وأنه قد يُمدح عليها وقد يُذم، وأنّ هذه الأفعال لا يتحقق وجودها في الواقع إلا بأدوات وآلات، ولا يصح عقلاً أن توصف هذه الأفعال بأنها أفعال الله، لأنه يعيب عليه أنْ يكون ظالماً بمحاسبة الإنسان على فعل لم يفعله، كما أنّ أفعال الله لا تذم لأنها كلها حسنة لا قبح فيها، وأنّ الله لا يحتاج إلى واسطة لتحقيق أفعاله . ويكمن الفرق بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني في أنّ الإنسان يقصد إلى الفعل بإرادته وعلمه، ويتحقق وجود الفعل عبر قدرة الإنسان، فقيامه، وقعوده، وكلامه، وكتابته، كلها أفعال قصد الإنسان وقوعها وحدوثها، فهي مقترنة بإرادته هو ; أما الفعل الإلهي فهو ما يتعذر على الإنسان وقوعه بحسب قصد الإنسان ودواعيه، وليس الإنسان مسئولاً عن هذا الفعل، لأنه فعل الله، وإنما يكون الإنسان مسئولاً عن الفعل الإنساني الإرادي، وما يتولد عنه ، لأنه يكون قد أحدثه عن وعي ومعرفة وقصد، كما أن الإنسان ليس مسئولاً عن فعل لم يقصد إليه وإنْ نسب إليه، كفعل النائم والساهي . وتمثل الكتابة والصياغة فعلين إنسانيين لأنهما مرتبطان بقدرة الإنسان وإرادته وعلمه، ويخضعان، شأنهما شأن الأفعال الإرادية الأخرى، لأحكام الحسن والقبح » لأن الفعل المقصود يجب كونه قبيحاً أو حسناً«[24] أما الفعل الذي يصدر عن القادر دون قصد ووعي منه، فهو ليس مسئولاً عنه، ومن ثم، فإنّ أحكام الحسن والقبح ليست منطبقة عليه ان الفعل الإنساني لا يتحقق إذن إلا إذا كان الإنسان قادراً ومريداً، وتقترن بالإرادة المعرفة والعلم، غير أنّ بُعدي القدرة والإرادة ليسا منفصلين عن العقل، لأن الإرادة في أثناء ترددها بين الأفكار المتغايرة إنما تميل نحو أحدها مسترشدة بالعقل، ومن هنا يتدخل العقل في أخطر عمليات إحداث الفعل، وهو تأثيره في إرادة الإنسان، هذا من جهة إحداث الفعل، أما من جهة الحكم عليه فإنّ الفعل يخضع بالنتيجة لحكم أخلاقي عقلي، وهو كونه حسناً أو قبيحاً، والحكم يرتكز على مقومات عقلية، ولذا فإنّ الحسن ليس قيمة مفروضة على الفعل بوحي أو تشريع، وكذلك القبح، وإنما الحسن ـ على خلاف الأشاعرة ـ كائن في الفعل ذاته، بمعنى أن الحسن والقبح يمثلان قيمتين موجودتين في الأفعال ذاتها .
| |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:51 am | |
| وقد اختلفت الفرق الإسلامية في أصل نشأة اللغة بين الوقف والاصطلاح، وذهب المعتزلة إلى الاصطلاح، ليرتبط هذا ببعدين : أحدهما : يتصل بالتوحيد، لأنّ المعتزلة تسعى إلى تنـزيه الله سبحانه عن المماثلة، فاعتبرت الكلام واحداً من صفات الأفعال عند الله، وهذا يقود إلى أنّ كلام الله محدث، كي يقرروا أنّ القرآن الكريم مخلوق وليس قديماً، وثانيهما : يتصل بتكليف الإنسان، لأنّ الخطاب والتكليف لا يصحان من الله ـ سبحانه ـ إلا بعد أنْ يتواضع البشر على اللغات، ولذا أكد القاضي عبد الجبار بن أحمد[25] ضرورة أنْ يتواضع أهل العقول على لغة حتى يفهموا عن الله ما يخاطبهم به، أي أن أبرز غاية وأظهرها للتواضع على اللغات هي القدرة على تلقي الشرائع . وقد جاء الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة حول الآية القرآنية الكريمة » وعلّمَ آدمَ الأسماءَ كلّها«[26] فذهب الأشاعرة إلى الوحي والإلهام، أي إلى توقيفية اللغة، وذهب المعتزلة إلى الوضع والاصطلاح، لأنهم يرون أن المراد من الآية الكريمة أن الله سبحانه » علمه ـ أي علم آدم ـ ما تقدمت المواضعة عليه «[27]، بمعنى أن آدم قد عرف لغة تواضع عليها، سواء بينه وبين حواء، أو بينه وبين الملائكة، ويجزم القاضي عبد الجبار بأن ظاهر الآية يدل على أنّ تعليم آدم الأسماء على ما تقدمت المواضعة عليه لأنّ »الاسم إنما يُسمى اسما للمسمى بالقصد «[28]، وهذا يعني أن الاسم يتعلق بمسماه، وهذا التعلق بمنـزلة الإخبار عن الشيء والعلم به والدلالة عليه لأنّ » معاني الأسماء ثابتة لا تتغير باختلاف الأسماء واللغات» [29]ولذلك فإنّ معاني المسميات ثابتة لا ينتابها التغير، بينما تخضع المسميات للتطور اللغوي، في سياق اللغة الواحدة، وفي سياق اللغات المختلفة، ومن هنا يصح القول إنّ اللغات يصح لها التغير بحسب الأغراض والدواعي، ولما كانت المقاصد والأغراض والدواعي تتفاوت وتتغاير فإنها قد دفعت إلى تسمية المسمى بالاسم بحسبها وبحسب ما تواضع عليها الإنسان، ومن هنا جاء اختلاف المقاصد في الأسماء وتبعه اختلاف مسمياتها بحسب اللغات [30] . إنّ المعتزلة عمدوا في جانب من دراستهم اللغة إلى التأويل في تحليل النصوص وتفسيرها، فهم يرون أنّ المواضعة تقتضي الإشارة إلى الأشياء، لأنه بالإشارة نعلم أنه «قصد الاسم المسمى المخصوص[31]« ليعني هذا إرجاع المواضعة للإنسان، وأنّ تبليغ الرسالة السماوية إنما يتم في اللغة نفسها التي تواضع عليها الناس، لأنّ الله لا يجوز عليه أنْ يواضع أحداً من عباده، ولأنّ طبيعة المواضعة بما فيها من إشارة للأشياء، وإيماء لها بالجارحة، لا يصح إطلاقها عليه سبحانه، ولذلك يبطل أن تتم المواضعة بين الله وعباده، من أجل تنـزيه الله سبحانه عن التجسيم والتشبيه [32] . أما كيفية المواضعة فهي لدى القاضي عبد الجبار بن أحمد أنْ يواضع رجل آخر على جعل كلمة مخصوصة اسماً لمسمى، ومتى ما أطلقت هذه الكلمة فإنها تدل على المسمى، ولا يمتنع معرفة هذا الوضع لغيرها، ليصير لغة للجماعة، ولذلك يقال : » في اللغة العربية إنها لغة لسائر من تحدث إذا اتبع من تقدم في المواضعة «[33] . وإذا كان القاضي عبد الجبار بن أحمد يقلل من أهمية البعد الاجتماعي في نشأة اللغة فإنّ ابن جني يعطيه أهمية خاصة إذ يرى أنّ الحاجة الاجتماعية وضرورة الإبانة عن الأشياء هما اللذان يدفعان إلى التواضع، ولذلك فإنّ نشأة اللغة تتم بأن » يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً، فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء والمعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً إذا ذكر عرف به ما سماه «[34] . وبقي ابن جني رغم اعتزاليته متردداً بين الوقف والاصطلاح، على الرغم من أنه يؤكد أنّ أكثر أهل النظر تذهب إلى الاصطلاح ، وحين ينقل عن أستاذه أبي علي الفارسي قوله بالتوقيف ينقل عنه في الوقت نفسه أنه قال في الآية القرآنية الكريمة »وعلّمَ آدمَ الأسماءَ كلّها « على أنّ آدم قد واضع عليها ـ أي اللغة ـ كما أنّ لابن جني رأياً آخر في أصل اللغة وهو محاكاتها لأصوات المسموعات كدوي الريح وخرير الماء، ويرى أنّ هذا هو الأصل ومنه تولدت اللغات، ويصف المحاكاة بأنها » وجه . [/center] | |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:52 am | |
| صالح ومذهب متقبل«[35] . ولقد شغلت المعتزلة قضية المواضعة في اللغة لاتصالها بجذر عقائدي يحاول إرساء مفهوم »خلق القرآن «، وكون كلام الله محدثاً وليس قديماً، غير أنّ هذا لم يشغلهم ـ تماماً ـ عن تحديد طبيعة اللغة، فهي لدى ابن جني » أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم «[36] حيث أرسى ابن جني ـ هنا ـ طبيعة اللغة الرمزية المعتمدة على الأصوات اللغوية، ويمثل هذا الجانب المادي من اللغة، ويشتمل على الدلالات والمعاني، لتكون وظيفة اللغة توصيل الأفكار بين الإنسان والآخرين، وبهذا يُلمح ابن جني إلى الطبيعة الاجتماعية للغة . وقد تمكن المعتزلة من التلميح إلى الطبيعة الرمزية للغة، والى إشاريتها، وهم بهذا يقتربون من أظهر التصورات الحديثة التي تجعل من اللغة نظاما من الرموز والإشارات، وتتم دراسة اللغة تحت علم يطلق عليه السيمولوجيا Semeiology « علم الرموز » وهو أحد العلوم التي استخدمت لتدل على اللغة وغيرها من الأنظمة الرمزية والإشارية [37] . وإذا كان المعتزلة قد ألمحوا إلى الجانب الإشاري من اللغة فإنهم لم يستطيعوا أن يميزوا بين اللغة Langue والكلام Parole على النحو الذي نراه لدى دي سوسير الذي يرى أنّ اللغة تمثل نظاماً اجتماعياً يرتكز على رموز صوتية تشتمل على دلالات ومعان اتفق عليها المجتمع، أما الكلام فانه يمثل الاستخدام الفردي لهذا النظام [38]، فالكلام لدى ابن جني يدل على اللفظ المستقل بنفسه، ويتميز بكونه مفيداً لمعناه، ولكن ابن جني يذهب إلى المقارنة بين الكلام والقول ويلتقي فيه الأخير مرة مع الكلام، ويفترق عنه مرة أخرى، لأنّ القول كل لفظ نطق به اللسان، فيلتقي بالكلام إذا كان القول تاماً، ويفترق عنه إنْ كان ناقصاً [39]، وعلى الرغم من عناية ابن جني بالحدود النحوية لمفهومي »الكلام «و» القول« فإنه يحاول ربطهما بتجليات واضحة من المفاهيم الاعتزالية، ليشير إلى فروق دلالية بينهما، لأنّ الكلام له دلالة أشمل وأدق وأعمق من القول، ولذلك قلنا »كلام الله « ولم نقل »قول الله « . ويتحدد الكلام لدى القاضي عبد الجبار بن أحمد بأنه » ما حصل فيه نظـام مخـصـوص من
| |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:52 am | |
| هـذه الحـروف المعقولة، حصـل في حرفين أو حروف «[40]، وبهذا يتداخل في هذا التحديد مفهوما الكلام واللغة على النحو الذي أرساه دي سوسير، إذ يؤكد هذا الحد في أحد جوانبه الطبيعة الرمزية للغة، ويشتمل على الاستخدام الفردي لها ضمناً ، فالكلام لدى القاضي عبد الجبار بن أحمد لابد أنْ يتوافر فيه عنصران : أولهما : الحروف المعقولة، وهو يعني بها الأصوات المشتملة على الدلالات إذا تركبت مع غيرها، لأنّ الحرف وحده لايعدو كونه صوتاً لا دلالة له، شأنه شأن الأصوات الأخرى كصرير الباب مثلا . ثانيهما : النظام الخاص لهذه الحروف، لأنه بهذا النظام تتألف الكلمة، ويتداخل ـ هنا ـ النظام بطبيعة الأصوات، لأنّ الحروف لدى القاضي عبد الجبار بن أحمد إنما هي « أصوات مقطعة » ولأن الكلام « لا يكون حروفا منظومة دون ذكر الأصوات» [41]. وإذا كان التحديد السالف يشير في بعض جوانبه إلى اللغة فإنّ القاضي عبد الجبار بن أحمد قد أكد في مكان آخر أنْ الكلام »هو الصـوت الواقع على بعض الوجوه «[42]، ليدل هذا على اللغة والكلام في آن واحد، ودلالته على اللغة تكمن في الإشارة إلى النظام الرمزي، كما أنه يشتمل على الاستخدام الفردي لهذا النظام، لأنّ وقوع الصوت على وجه، أو بعض الوجوه، معناه تدخل الإرادة الإنسانية في إحداث الكلام، ومن هنا يتأتى الجانب الفردي للكلام. ويمثل الكلام من ناحية أخرى بعداً إشارياً صوتياً يغاير الكتابة بوصفها »أمارة للكلام «[43]، وهي ـ الكتابة ـ نظام إشاري حسي مرئي، يمكننا القول إنها تنطوي على أبعاد مكانية، في حين يمثل الكلام أبعاداً زمانية تتتابع فيها الأصوات وتتضام إلى بعض لتقود إلى الدلالات التي يقصدها المتكلم، أما الكتابة فإنها تمثل بعداً مكانياً تكون حاسة البصر أداة الإنسان في إدراكه ، وهذا يعني أنّ اللغة أمر آخر غير الكتابة، لأن اللغة نظام يعبر عنه بالرموز الصوتية، في حين تمثل الكتابة
| |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:53 am | |
| الصورة الإشارية لهذا النظام الرمزي[44]، ويرفض المعتزلة أن يكون الكلام معنى في النفس، رافضين بهذا مفهوم الكلام النفسي عند الأشاعرة، لأن الكلام يمثل ظاهرة مادية محدثة لا يصح وجودها إلا بعد حدوثها، أما ما يوجد في النفس فليس كلاماً، وإنما هو العلم بكيفية الكلام، إذ تنطوي النفس على فكر فيه القصد على إيجاد الكلام وإحداثه[45]. إن مادة الكلام هي الألفاظ التي تواضع الناس عليها في اللغة، ولذلك كان القرآن الكريم من »جنس الكلام المعقول من الشاهد، وهو حروف منظومة وأصوات مقطعة «[46] وهذا يعني أن القرآن الكريم قد صيغ من المفردات التي تواضع الناس عليها، والتي يستخدمونها في تعاملهم اليومي وفي نقل أفكارهم، ويدل هذا من ناحية ثانية على أنّ القرآن الكريم مخلوق محدث، » لم يكن ثم كان، وأنه غير الله عز وجل، وأنه أحدثه بحسب مصالح العباد، وهو قادر على أمثاله «[47] ، ويلتقي ـ من هذه الناحية ـ النص القرآني مع النصوص الأدبية الأخرى، في أنّ كليهما من المادة اللغوية ذاتها، وصيغا بطرائق مخصوصة من هذه المادة، وأن كلاً منهما مخلوق محدث، كان بعد أن لم يكن، ويفترق النص القرآني عن غيره من النصوص بأنه معجز في إبداعه، وليس النص الأدبي كذلك . ونخلص من هذا كله إلى أنّ كلام الله صفة من صفات الفعل، وصفات الفعل هي التي يجوز أن يوصف الله بأضدادها وبالقدرة على أضدادها، ليتوصل المعتزلة من هذا إلى خلق القرآن الكريم، أما الكلام الإنساني فهو فعل من الأفعال الإرادية المحكمة التي يشترط المعتزلة فيها القدرة والإرادة والعلم بكيفية حدوثها، ويوصف الإنسان بأنه متكلم اذا أحدث الكلام بحسب قصده وإرادته ودواعيه . ويوصف الكلام الإنساني ـ في ضوء ما سلف ـ بالحسن والقبح، ويفتش الإنسان عن حسنه وقبحه في الفعل الإنساني ذاته ـ أي الكلام ـ ومن الطبيعي أن يشتمل الكلام ـ حديثاً أو نصاً أدبياً ـ على جوانب الحسن والقبح شأن الأفعال الإرادية الأخرى، في حين لا يوصف الفعل الإلهي إلا بالحسن، ولذلك فالقرآن الكريم كله حسن، لأنه كلام الله وفعله، شأنه شأن كل أفعال الله لا قبح فيه البتة
| |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:53 am | |
| [center]الفصل الأول
المقياس اللغوي جماليات النظام الصوتي: إنّ الحديث عن الكلام لدى نقاد المعتزلة في القرن الرابع الهجري يقترب من حديث دي سوسير عن اللغة [48] ولذلك فاللغة ـ في ضوء هذا التمايز ـ تتحدد أساسا بأنها أصوات، وهذا يؤكد بعدها الرمزي المنطوق، وهو ينطوي بطبيعته على دلالة ما ، ولذلك ألفينا القاضي الجرجاني في الوساطة [49] يؤكد بعدها السمعي لا البصري، وعلى أنّ محلها من الأسماع محل النواظر من الأبصار، ليخلص من هذا إلى خصائص إيقاعية كائنة في الكلمات، فمنها ـ أي الكلمات ـ المحكم الوثيق، والجزل القوي، والمنمق الموشح . ونلحظ تمايزاً جديراً بالتنويه لدى القاضي عبد الجبار بن أحمد الذي يميز بين الكلام والصوت، لأن الصوت ـ لديه ـ قد يدل على ترميز له دلالة لغوية أو لا يدل أصلاً، لكون الإنسان قادراً على إحداث العديد من الأصوات، وليست لها أدنى علاقة باللغة لافتقارها إلى دلالات متواضع عليها، ولأن » الصوت ـ الرمز « يقتضي وعيا لطبيعة تأديته، وطبيعة وظيفته، ويقتضي، أيضاً، وعياً لكيفية استخدام جهاز النطق، أو على حد تعبير القاضي عبد الجبار بن أحمد » بأن الكلام يحتاج إلى العلم بتصريف الآلة التي هي اللسان وغيرها على بعض الوجوه «[50] . ويتجاوز القاضي عبد الجبار بن أحمد ذلك إلى ضرورة التمايز بين الأصوات اللغوية ذاتها، وتعقّل هذا التمايز، ليتمكن الإنسان من المفارقة بين المتصل منها ببعض أو الممتنع، ومن هنا استخدم القاضي عبد الجبار بن أحمد مصطلح » الحروف المنظومة على وجه مخصوص « بدلا من مصطلح »التأليف « الذي يؤثره ابن جنّي والرماني، ولذلك فإن الحروف ـ لدى القاضي عبد الجبار ـ تترتب في الحدوث على وجه وتتصل لتدل على معنى معين [51]، وهذا يتضمن بذاته حدوث الحروف زمانياً كي تتماثل مع الموسيقى بوصفها فناً زمانياً، غير أنّ القاضي عبد الجبار بن أحمد يُميز بين الرموز اللغوية المنظومة والرموز المكتوبة، لأن المنظومة لديه هي »الصوت الواقع على وجه « معين من الدلالة، أي أنّ إرادة القصد ـ هنا ـ هي التي تحدد وجهته إلى هذه الناحية أو تلك، أما الكتابة فلا تعدو أن تكون »أمارة للكلام «[52]، وهذا يعني أنّ الأصوات إنما هي رموز للدلالات الكائنة في الذهن، أو رموز للأشياء الكائنة في الواقع الخارجي، فهي رموز للتصورات والأشياء، في حين تكون الكتابة رمزاً للرمز، لأنها » أمارة « للرمز أو للصوت المنطوق، ويقترب هذا التصور إلى حد ما من تصور بلومفيلد الذي يرى أنّ الكتابة ليست اللغة، وإنما هي الشكل الإشاري للأصوات[53]. ويتداخل لدى ابن جنّي مفهوم الصوت بالحرف، فالصوت لديه » عرض يخرج مع النفس مستطيلا حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداداته واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا «[54] فالحرف هو الصوت الذي يحدث من جراء المقاطع التي تعترض الصوت الصادر من الإنسان، فيوجهها هذه الناحية لا تلك ويكتسب صفة بحسب »المقاطع « ـ أي مخارج الحروف ـ ولذلك فإنّ أجراس الحروف تختلف باختلاف مقاطعها . [/center] | |
|
| |
احمد عادل الحلوانى عضو نشيط
عدد الرسائل : 62 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة الخميس أبريل 15, 2010 9:53 am | |
| ويُحدث جهاز النطق الأصوات، وهو يشبه إلى حد ما آلتين موسيقيتين هما : الناي والعود، فالصوت يخرج من الناي مستطيلاً أملس ساذجاً ليشبه هذا الألف إنْ لم يعترضها مقطع، ولكن إذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة، وراوح بين أنامله اختلفت الأصوات، وكذا العود، فإذا ضرب وتره وهو مرسل سيكون له صوت يختلف فيما لو حصرت آخر الوتر، والصوت الذي يؤديه الوتر من غير حصر يكون أملس مهتزاً، ويختلف باختلاف الوتر وصلابته، وضعفه ورخاوته، فهو ـ والحالة هذه ـ يشبه جهاز النطق الإنساني، فجريان الصوت غفلاً يشبه صوت الألف الساكنة وما يعترضه من الضغط والحصر يشبه ما يعرض للصوت في مخارج الحروف، وأخيراً فإن هذه المماثلة لدى ابن جنّي مقصودة لأنه يرى أنّ » علم الأصوات له تعلق ومشاركة لما فيه من صفة الأصوات والنغم «[55] . إنّ الحرف ـ لدى ابن جنّي ـ يمثل أصغر وحدة صوتية تتكون الكلمة من تأليفها جنب بعضها، ومن الجدير بالإشارة أنْ أنبّه إلى أنّ ابن جنّي حين حدد مخارج الحروف وحدد صفاتها كان معتمداً على سيبويه اعتماداً كلياً، واعتمد عليه أيضا في الحديث عن وحدات صوتية أخرى، وهي لديهما على نمطين : الأول : الحروف الفرعية المستحسنة، والثاني : الحروفالفرعية المستقبحة، ولا يهمنا كثيراً طبيعة هذه الحروف قدرَ عنايتنا بتحديد هذه الحروف في إطارين، الأول : كون هذه الحروف فرعية، بمعنى أنّ وجودها متصل بوجود الأصول، أو كما قال سيبويه » أصلها من التسعة والعشرين«[56] حرفاً ولذلك فإنوصفها يتأتى بالقياس إلى الحروف الأصلية، فالشين التي كالجيم، وهي من الحروف المستحسنة تتحدد بأنها شين تشبه الجيم، وهذا يعني أنه وصفها بالقياس إلى ما هو كائن من الأصول، أما الثاني : فإن ابن جنّي ـ وقبله سيبويه ـ يريان أنّ الحروف المستحسنة على الرغم من أنها فروع فإنها « حسنة يؤخذ بها في القرآن»[57] وهي تختلف عن الحروف المستقبحة التي لا يؤخذ بها في القرآن والشعر، وهذا يدل على أنّ هذه الوحدات الصوتية ليست جديدة بحيث تُغيّر من دلالة الكلمة، ولكنها وحدات صوتية تنطق بطرائق متعددة لاتغير كثيراً من أصل تأليفها . إنّ الوحدات الصوتية الفرعية بعضها مرذول لا يصح استخدامه في القرآن الكريم وفي الشعر، ويرجع السبب في ذلك إلى أمرين : أحدهما : يتصل بقضية الأصل والفرع وطبيعته القياسية، وكلما ابتعد الفرع عن الأصل فقد جانبا من أهميته وقيمته،
| |
|
| |
| الخطاب النقدي عند المعتزلة | |
|