بالرغم من انتشار الوسائل الإعلامية الحديثة كالإذاعة والتلفزيون، إلا أن الصحف والمجلات المطبوعة مازال لها رونقها وشعبيتها الكبيرة، خاصة في ألمانيا، حيث يقرأ أكثر من 80% من البالغين الصحف يومياً
منذ خلق الإنسان ولد بداخله الفضول الذي يدفعه للبحث ومعرفة ما يحدث حوله، ومنذ وجود المجتمع البشري وتناقل الأخبار شفوياً يعد جزءاً من الحياة اليومية للأفراد. ولم يقف الإنسان عند هذا الحد، بل بحث عن وسيلة لحفظ ما يقول، فاخترع الكتابة وبدأت معها مرحلة جديدة، حاول فيها البعض نشر أفكارهم على بعض أوراق البردى وتوزيعها منذ القرن الرابع قبل الميلاد. ولكن أول ما يمكن تشبيهه بالصحافة الحالية هو المنشور الذي ولد في الإمبراطورية الرومانية تحت حكم القيصر جوليوس حوالي 60 ق.م.، وأطلق عليه "أكتا ديورنا" ويعني "أحداث اليوم" وظل تقريباً حتى عام 235 م. وقد كانت مهمة العبيد آنذاك هي نسخ أعداد كبيرة منها لتوزع بعد ذلك في الأماكن العامة والمحلات التجارية، وتنشر بها الأحداث الحربية الهامة وأخبار الزواج والوفاة ومواعيد المسرحيات والأحداث الرياضية، بالإضافة الى توزيعها في المدينة على كل من يعرف لالقراءة والكتابة. وكانت هذه المطبوعة ترسل الى جميع أنحاء الإمبراطورية.
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: يوليوس قيصر مؤسس المنشور القديم"أكتا ديورنا"
مجلات "يدوية"
وفي عصر الرومان ظلت المنشورات غير الدورية المكتوبة بخط اليد توزع في أوربا الغربية، وتحوي العديد من الأخبار الحربية والسياسية والمواضيع العامة، كما كانت تحتوي على إعلانات تجارية وتوزع في الأماكن العامة. وكانت أشهرها في ألمانيا وهي "فوجرتسايتونج" التي أصدرتها المؤسسة التجارية فوجر في مدينة أوجسبورج بين عامي 1568-1605، وتعني كلمة "تسايتونج" بالجيرمانية القديمة أخبار أو أحداث جديدة. وكانت تعتمد في بعض أخبارها على مكتب مراسلة أنشأه جيريميا كراسر وجيريميا شيفل في مدينة فينيسيا عام 1571. ومنذ ذاك الحين بدأ ظهور وكالات الأنباء بشكل مبسط وبدأ عمل المراسلين وكان معظمهم من العاملين في المحال التجارية والكنائس، وكانوا يرسلون المعلومات بالبريد. واحتوت بعض هذه المجلات على الرسومات، كما كانتالنماذج الخشبية والنحاسية تستعمل لنسخها . وإلى جانب الأخبار والإعلانات انتشرت أيضاً الأخبار المثيرة من أخبار الحوادث والنجوم والمذنبات وطرد الأرواح والشياطين وغيرها.
الطباعة والثورة الصحافية
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: تمثال جوتنبرج في مدينة ماينز
وفي عام 1450 ولدت تقنية الطباعة على يد يوهانس جوتنبرج من مدينة ماينز الألمانية، لتحدث طفرة في مجال المعلومة المكتوبة. وفتح هذا الاختراع الطريق أمام انتشار الصحف بشكل غير مسبوق، فقد أصبح صدور جريدة دورية ومتجددة أمراً في متناول اليد. وبدأت المحاولات لطباعة المنشورات غير الدورية، تلتها المجلات الشهرية. أما أول صحيفة بالمعنى المفهوم اليوم فكانت صحيفة "رولاسيون" الأسبوعية وتعني علاقة، وتأسست في مدينة ستراسبورج الألمانية عام 1605، ومن بعدها توالى انتشار الصحف في بازل (1610) وبرلين (1617) ولندن (1621) وباريس (1631) وتبعتها مدن أوروبية عديدة. وتطورت الجرائد والمجلات بشكل كبير، وأصبحت أحب ما يطالعه البشر حتى اليوم. و زادت محتويات الصحف تنوعا، لتحمل العديد من الآراء وتفتح باب الحرية السياسية، فكانت المحرك الأول للحركات الديمقراطية التي غيرت وجه أوروبا. ولم يكن التغير فقط على الصعيد السياسي، بل أدت أيضاً أخبار الاكتشافات العلمية والاقتصاد إلى صحوة ثقافية كبرى. ولذلك فان انتشار الصحافة المكتوبة يعتبر احدى نقاط التحول الأساسية في تاريخ البشرية، ومن هذا المنطلق تحتفل مدينة ماينز، مسقط رأس مخترع الطباعة ، بمرور أربعمائة عام على ميلاد أول صحيفة مطبوعة من خلال المعرض الذي سيقام من 9 يوليو/تموز وإلى 30 ديسمبر/كانون الاول في متحف جوتنبرج بماينز.
نشأة الصحافة العربية
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مازالت الرقابة تتحكم في الصحافة العربية في العديد من الدول
مع حملة نابليون على مصر، انتقل الكثير من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية، من بينها فكرة الصحافة المكتوبة وإصدار الجرائد، فنشأت صحيفة "التنبيه" أول صحيفة عربية، وقد ساهم المترجمون اللبنانيون في تحريرها بشكل كبير. أما أول صحيفة عربية يصدرها عربي باسمه فهي جريدة "السلطنة" التي أنشأها اللبناني اسكندر شلهوب في اسطنبول عام 1857، ثم نقلها إلى القاهرة ولكنها لم تعمر سنة واحدة. ونتج عن اختلاط اللبنانيين المبكر بالاوروبيين وتأثرهم بهم تفوقهم في مجال الصحافة. ويعتبر الكثير من المؤرخين أن بداية الصحافة العربية الحقيقية جاءت على يد خليل الخوري بصحيفته الشعبية "حديقة الأخبار"، حيث أن كل ما سبقها كانت جرائد حكومية تنشر آراء الحكومة دون غيرها. وجاء قانون الصحافة الذي صدر في مصر سنة 1881 ليقيد طباعة الصحف بشكل كبير، مما سبب إحباطاً للعاملين بالصحافة المصرية، وكان ذلك يصب بالطبع في مصلحة الاحتلال البريطاني الذي كان يملك السيطرة التامة على الإعلام. وحتى يومنا هذا مازالت للرقابة سلطة كبيرة في العديد من الدول العربية، في الوقت الذي فتحت فيه الصحافة التلفزيونية والصحافة الالكترونية على الانترنت المجال واسعاً لكل من يريد التعبير عن رأيه بكل صراحة.