تعد الترجمة من وإلى العربية واحدة من أهم قضايانا الثقافية المعاصرة والملحة، وتشير كافة الإحصاءات التي تمت بهذا الخصوص إلى تراجع هذا المشروع، لا مقارنة بما تترجمه إسرائيل مثلاً، بل وأيضاً بما كان عليه حال الترجمة عبر تاريخنا الحضاري، يوم كانت شمس حضارتنا تشرق على كافة شعوب الأرض مثلما كنا نستقبل إبداعات تلك الأمم.
وقد تراجعت حركة الترجمة خلال القرن الماضي على الرغم من محاولات فردية ورسمية عدة، منها مشروع الألف كتاب في مصر، ومشروع وزارة الإعلام الكويتية في ترجمة المسرح العالمي الذي تعرفنا من خلاله على أفضل الإبداعات المسرحية والتي شكلت قاعدة جيدة ومنعطفاً هاماً في المسرح العربي، وهناك العديد من المشاريع المتفرقة التي لبت الحاجة بشكل نسبي كان آخرها المشروع القومي للترجمة الذي احتفل بإصدار الكتاب الألف في القاهرة قبل أشهر، ولا بد أن نحيي بعض دور النشر الهامة التي أخذت على عاتقها ترجمة بعض الكتب مثل مشروع روايات نوبل الذي تصدت له دار المدى في دمشق.
لا بد أن نعترف أن كل هذه المجهودات على الرغم من تثميننا لها واعتزازنا بالمبادرات لم تسد الحاجة الفعلية بقدر ما حققت حاجة مرحلية وسدت جزءاً من فراغ في المكتبة، ولعل مصر وضعت النقاط على الحروف بالإعلان عن تأسيس المركز القومي للترجمة، قبل أيام قلائل، لتؤكد على أهمية حركة الترجمة لثقافتنا العربية المعاصرة التي وصفها د. جابر عصفور بالضعف والهزال، واعتبر أن الترجمة واحدة من عوامل انتشال هذه الثقافة وتدعيمها.
وخلق جسر تواصل بين الوطن العربي بأركانه المختلفة والعالم بقاراته المتعددة، وأن الأمل معقود على هذا المركز إن جاء كما يخطط له د. جابر عصفور، الذي أعلن عن بعض الأبعاد التي ينوي تكريسها عند إنشاء المركز والأحلام التي يعمل على ترجمتها إلى واقع ملموس، مثلما طالب بدعم مالي كبير حتى لا يولد المركز أعرج كما هو الحال في العديد من المشاريع الثقافية التي تولد بدون دعم مادي لتعتمد على السخرة والتكاليف المجانية التي لا تدوم، فالمشاريع الثقافية مثل كل المشاريع الأخرى لا تستقيم ولا تنجح إلى بدعم مادي مجز يتناسب مع أهمية المشروع ومنطلقاته ونتائجه.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح..
هل يكفي مركز واحد في مصر للترجمة؟!
قطعاً.. وجزماً.. أقول لا.. وإنها فرصة أمام الدول العربية للمبادرة إلى إنشاء مراكز مشابهة لأنه جزء من تطورنا، وعامل أساسي لبناء لإنسان المعاصر، وسلاح هام وحضاري للوقوف أمام كل عناصر الظلام والتهميش والتخلف والأمية الثقافية.