فاطمة عياد صلاح عضو نشيط
عدد الرسائل : 18 تاريخ التسجيل : 19/08/2009
| موضوع: حسن الظن الأربعاء أغسطس 19, 2009 5:50 pm | |
| [ حسن الظن ] |
حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد ، حقا .. إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه ، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته .
[ أنا عند ظن عبدي بي ] قال العلماء : ـ قال ابن حجر رحمه الله في الفتح " أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به " [ 17 / 397 ] ـ قال النووي في شرح صحيح مسلم " قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه " [ 14 / 210 ] ـ قال النووي " قال القاضي : قيل معناه بالغفران له إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا ، والكفاية إذا طلب ، وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو وهو أصح " [ شرح صحيح مسلم 14 / 2 ] وعموما فحسن الظن بالله عز وجل ظن ما يليق بالله سبحانه وتعالى من ظن الإجابة والقبول والمغفرة والمجازاة وإنفاذ الوعد وكل ما تقتضيه أسماؤه وصفاته جل وعلا .
لماذا نحسن الظن بالله ..؟ 1. لأن فيه امتثالا واستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم " يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " [ الأنفال : 24 ] 2. له ارتباط وثيق بنواحي عقدية متعددة ومن ذلك مثلا : أ . التوكل على الله تعالى والثقة به ، قال بن القيم رحمه الله : " الدرجة الخامسة [ أي من درجات التوكل ] حسن الظـن بالله عز وجل فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه " [ تهذيب مدارج السالكين ص 240 ] . ب . الاستعانة بالله والاعتصام به واللجوء إليه سبحانه ، قال بعض الصالحين " استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها ؛ فإن ذلك أقرب إلى الفرج " ج . الخوف منه سبحانه وتعالى ، يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله " من حَسُنَ ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع " [حسن الظن بالله ص 40 ] 3. لأن العبد من خلاله يرجوا رحمة الله ورجائه ويخاف غضبه وعقابه ، يقول بن القيم رحمه الله "ويكون الراجي دائماً راغباً راهباً مؤملاً لفضل ربه حسن الظن به " [ زاد المعاد ص ] 4. حثت عليه النصوص النبوية ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " " أنا عند ظن عبدي بي " " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " . 5. معرفة واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله ، يقول بن القيم رحمه الله " فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء ؛ فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ، ناقص الحظ ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ، ولسان حاله يقول : ظلمني ربي ومنعني ما أستحق ، ونفسه تشهد عليه لذلك ، وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها ، رأى ذلك فيها كامناً كمون النار في الزناد ، فاقدح زناد من شئت ينبئك شَراره عما في زناده ، ولو فتشت من فتشته ، لرأيت عنده تعتباً على القدر وملامة له ، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به ، وأنه ينبغي أن يكون كذا وكذا ، فمستقل ومستكثر ، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك : فإن تنـجُ منها تنجُ من ذي عظيمة وإلا فإني لا إخالك ناجياً " [ زاد المعاد 3 / 235 ] 6. لأن مَنْ أحسن الظن بربه عز وجل فأيقن صدق وعده وتمام أمره وما أخبر به من نصرة الدين والتمكين في الأرض للمؤمنين ، اجتهد في العمل لهذا الدين العظيم والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله بماله ونفسه . 7. أثره الإيجابي على نفس المؤمن في حياته وبعد مماته ، فمن أحسن الظن بربه وتوكل عليه حق توكله جعل الله له في كل أمره يسراً ومن كل كرب فرجاً ومخرجاً ، فاطمأن قلبه وانشرحت ونفسه وغمرته السعادة والرضى بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه جلا وعلا . 8. المبادرة إلى طلب عفو الله ورحمته ورجائه ومغفرته ليطرق بعد ذلك العبد باب ربه منطرحاً بين يديه راجياً مغفرته تائبا من معصيته " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " [ رواه مسلم ] . 9. فيه النجاة والفوز بالجنان ورضى الرحمن " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " روى أبو بكر بن أبي الدنيا عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه عز وجل " 10. يعين على التدبر والتفكر في أسماء الله وصفاته وما تقتضيه من معاني العبودية والإخلاص ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى " والأسماء الحسنى ، والصفات العلى مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين ؛ فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها ، أعني من موجبات العلم بها ، والتحقق بمعرفتها وهذا مطّرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح " [ مفتاح دار السعادة ص 424 ]
السلف وحسن الظن بالله . 1. كان سعيد بن جبير يدعوا ربه فيقول " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك " 2. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول " والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئاً خير من حسن الظن بالله عز وجل ، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه ؛ ذلك بأن الخير في يده " 3. وسفيان الثوري رحمه الله كان يقول : ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي ؛ فربي خير لي من والدي " 4. وكان يقول عند قوله تعالى " وَأََحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ " أحسنوا بالله الظن . 5. وعن عمار بن يوسف قال : رأيت حسن بن صالح في منامي فقلت : قد كنت متمنياً للقائك ؛ فماذا عندك فتخبرنا به ؟ فقال : أبشر! فلم أرَ مثل حسن الظن بالله عز وجل شيئاً "
المعاصي وحسن الظن بالله . حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه ، فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله ، لكن كثيرا من خلق الله تعالى قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها ، فترى الواحد منهم إذا ما عوتب على وقوعه في الخطأ أو الزلل سرد لك ما يحفظ من أدلة في مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وكرمه وأن رحمته سبقت غضبه ، وكأن حال لسانه : وكثّر ما استطعـت من الخطايــا إذا كـان القـدوم علـى كريـم أو كقول الآخر : التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله ، قال ابن القيم رحمه الله " ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان ، فإن المحسن حسن الظن بربه ، أنه يجازيه على إحسانه ، ولا يخلف وعده ، ويقبل توبته ، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ... وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن "
سوء الظن بالله تعالى . لقد ذم الله تعالى من أساء الظن به ، فأخبر عن المشركين أنهم يظنون به ظن السوء ، قال تعالى " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " [ الفتح : ] ووصف المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق فقال تعالى " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر شئ قل إن الأمر كله لله " [ آل عمران : ] قال الألوسي رحمه الله : أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أن الله عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد به : ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك وغيره " [ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 9 / 95 ] وهذا الظن مما لا يليق بالله تعالى وحكمته ووعده الصادق ، فمن ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره ، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد ، فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
صور من إساءة الظن بالله تعالى . 1. من قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء . 2. من ظن به أن يترك خلقه سُدى ، معطلين عن الأمر والنهي ، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملاً كالأنعام فقد ظن به ظن السوء . 3. من ظن أنه لا سمع له ولا بصر ، ولا علم له ولا إرادة ، وأنه لم يكلم أحداً من الخلق ولا يتكلم أبداً ، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائناً من خلقه أي بلا كيف وكما وصف الله به نفسه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه . 4. من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين ، فقد ظن به ظن السوء . 5. من ظن أن له ولداً أو شريكاً أو أن أحداً يشفع عنده بدون إذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم كخوفه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه . 6. من ظن بالله تعالى أن يخيب من تضرع إليه وسأله رغبة ورهبة واستعان به وتوكل عليه ولا يعطيه ما سأله ، فقد ظن به ظن السوء ، وظن به خلاف ما هو أهله . 7. من ظن به سبحانه وتعالى أن يسلط على رسوله محمد أعدائه دائماً في حياته وبعد مماته ، وأنه ابتلاه بهم لا يفارقونه ، فلما مات استبدوا بالأمر دون وصيه ، وظلموا أهل بيته وسلبوهم حقهم ، وكانت العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائماً من غير ذنب لأوليائه وأهل الحق ، وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم إياهم حقهم وتبديلهم دين نبيهم ، وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه ولا ينصرهم ، أو أنه لا يقدر على ذلك ، بل حصل هذا بغير مشيئته ولا قدرته ، ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته ، تسلم أمته عليه وعليهم كل وقت فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه [ زاد المعاد 3 / 922 ]
حسن الظن بالمؤمنين . حسن الظن خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام ، وهو من أبرز أسباب التماسك الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، حسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد ، وتهدم الروح ، وتطرد السعادة ، وتكدر العيش ، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى وتزرع بذور الشر وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الأبرياء ، لذلك كان أصلاً من أصول أخلاق الإسلام ، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " [ رواه البخاري ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم فقال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " وما ذاك إلا لأن الظن سيئة كبيرة موقعة لكثير من المنكرات العظيمة إذ هو ذريعة للتجسس ، كما أنه دافع إلى الوقوع في الغيبية المحرمة " ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتدوم بيننا المحبة والوئام ، وتصفوا القلوب والصدور ، وتزول الشحناء والبغضاء ، ورحم الله القائل : ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه |
| |
|