المجموعة الجنائزية للملك زوسر
تعد مجموعة الملك زوسر الجنائزية واحدة من
أكثر آثار سقارة تأثيراً وإثارة للإعجاب. ومن المعروف أن اسم "زوسر"
استخدم منذ عصر الدولة الوسطى، لمؤسس الأسرة الثالثة، وكان اسمه الحوري هو نتر غت
أو نتري غت NTR-XT OR
NTRY-XT
كتب اسم هذا الملك على بردية تورين بالمداد
الأحمر. لابد وأن هذا الأمر يشير إلى بداية عصر جديد. وأمه هي "ني – ماعت –
حب NY-MAAT-HP" (والتي تنسب
لماعت أبيس MAAT OF APIS )، ربما كانت من منف،
ذكر اسمها في عهد "خع سخموي"، آخر ملوك الأسرة الثانية، بمسمى "أم
الملك"، ومن ثم يبدو أن زوسر كان أبناً "لخع سخموي" من الزوجة
الثانوية "ني- ماعت – حب NY- MAAT – HP ".
ولو طرحنا جانباً المجموعة الجنائزية للملك
"زوسر"، لأمكننا تمييز عهده ببعض المناحي الأخرى، مثل: التقويم الشمسي،
واللوحة التذكارية للمجاعة.
أقام المجموعة المهندس المعماري العظيم،
الوزير، وكبير كهنة هليوبوليس، إمحوتب الذي أُله بعد عصر الدولة الحديثة، حيث
ألَهه مواطنو منف على وحه التحديد، وقد عزوا إليه الكثير من العطايا الطيبة
العظيمة، ولهذا السبب فقد سوا بينه وبين الإله الإغريقي أسكليبيوس في العصر
البطلمي. وتتكون المجموعة من الكثير من الإنشاءات التي تختلف من حيث النوع
والطراز، كما يلي:
1-
الجدار الذي يحيط بالمجموعة، والمدخل:
بدأ إمحوتب التشييد ببناء جدار يحيط بالمجموعة، أشبه
بقلعة، محاكياً نمط السور المُشيد بالطوب اللبن، الذي يحيط بمنف، بيد أنه قدم
تجديداً قوياً، حيث استبدل الطوب بالحجر، وقد استخدم حجراً جيرياً ابيضاً من النوع
فائق الجودة، مقطوعاً من محاجر طُورة، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل، ولقد
اتبع في بناءه أسس التشييد بالطوب اللبن، أو بمعنى آخر، فقد قام بقطع كتل الحجر
بنفس حجم الطوب اللبن، حتى أنه نسخ البوابات المزدوجة الأربع عشرة الموزعة حول
الجدار المحيط بمنف، غير أنه نحتهم في الوضع المصمت، وجل هذه الأبواب، أبواب غير
حقيقية، عدا باب واحد تُرك مفتوحاً في الركن الجنوبي الشرقي، ونلاحظ أن هذا الباب
لا تتوفر به أي وسيلة لغلقه، مما يدعون للاعتقاد بضرورة وجود حارس – في ذلك الوقت –
يراقب المنطقة المحيطة بالمكان ليلاً ونهاراً
2-
بهو الأعمدة:
عندما نجتاز هذا الباب، نجد أنفسنا في ممر ضيق، مسقوف
بكتل تحاكي جذوع النخيل، وينتهي هذا الممر بفناء صغير، حيث يمكننا رؤية مصراعين
وهميين لأحد الأبواب، كما نرى المفصلات التي نحتت في الحجر، وفقاً للموضع المغاير
للمصراعين الوهميين، فإن أحد المصراعين كان يقفل خلف الآخر ليتحقق بذلك سمكاً
مزدوجاً. عند مغادرة الفناء، ندخل دهليزاً ضيقاً (طوله 54 متراً)، يحيط به صفان من
الأساطين، يتكون كل صف منهما من عشرين أسطوناً، نحتت على شكل حزمة من الغاب أو
الجريد، ويبلغ ارتفاع كل أسطون (5.92 متراً)، وكل أسطون من الأساطين – التي تشبه
حزمه من الجريد ملمومة من أعلى – تعتمد على جدار صغير، يصل بينه وبين أحد الجدارين
الجانبيين ممر الأساطين.
وظيفة الأربعين أسطوناً هي دعم السقف المبني من الحجر
الثقيل وحمله، والمصنوع من ألواح وضعت بشكل عمودي، ومقبية عند حافتها المنخفضة
لتماثل جذوع النخيل، ويبدو أن الأساطين قد استندت على الجدران الصغيرة، فقد كانت
تلك هي المرة الأولى التي تبنى فيها الأساطين من الحجر، ومن ثم لم يكن
"ايمحوتب" متأكداُ من إقامتها حرة، مستقلة بذاتها دون أن تسند.
يقسم جدار سميك بهو الأساطين هذا إلى قسمين غير متساوين،
عبارة عن إثنى عشر، وثالثة عشر زوجاً من الأساطين، ويوجد في بداية الجزء الأول ممر
طويل يفتح على الجانب الأيمن، بعد الأسطون الأول، ويؤدي إلى فناء "الحب
سد"، أما الجانب الأيسر فقد يحوي درجاً يؤدي لأعلى بهو الأساطين، بينما يوجد
بين الأسطونين التاسع والعاشر – على الجانب الأيسر من الممر – حجرة صغيرة، لعل
الغرض منها كان يكمن في ضم تمثال من التماثيل. وتجدر الملاحظة أن الأساطين أعلى من
الجدران الجانبية لتتيح دخول الضوء. ويؤدي بهو الأساطين إلى قاعة صغيرة تقع في
اتجاه عقارب الساعة بالنسبة لبهو الأساطين، ويدعم سقف هذه القاعة ثمانية أساطين
تشبه أساطين بهو الأساطين، إلا أنها أقل ارتفاعاً، وترتبط في أزواج بواسطة جدار
صغير مبني.
3-
الفناء المفتوح
عند اجتيازنا باباً وهمياً منحوتاً في الحجر يحاكي باباً
خشبياً مفتوحاً، نجد فناء كبيراً مفتوحاً، يحيط به جدار ذو مشكاوات، وفي الطرف
البعيد من الفناء، ومقابل الواجهة الجنوبية من الهرم المدرج، نرى مذبحاً مربع
الشكل، مزود بمدرج، ونجد في المنتصف بنائين على شكل حرف "D"، وكانا في الأصل ثلاثة
أبنية، لعلهم كانوا يمثلون منابع النيل، وقد أعتاد الملك أن يجري بينهم ومعه
"الثور أبيس" أثناء أداء طقس يسمى "الحب سد".
طقس العدو مع الثور أبيس
تكمن الفكرة العامة لمسألة "الحب سد" (المعروف
باليوبيل)، في أن "الحب سد" ما هو إلا عيد اعتاد الملوك المصريون أن
يحتفلوا به كل ثلاثين عاما، لتجديد حكمهم، بيد أن المليك الوحيد الذي أحيى هذا
العيد بعد مضي ثلاثين عاما من حكمه هو رمسيس الثاني، ومن ناحية أخرى نعرف أن بعض
الملوك الآخرين لم يكملوا أربعين سنة في حكمهم البلاد، غير أنهم احتفلوا بهذا
العيد ثلاث مرات (امنحوتب الثالث)، وفي حالتنا موضع دراستنا هذه، نجد أنه من
المرجح تماماً أن الملك زوسر الذي لم يحكم إلا لمدة تسعة عشر سنة فقط، احتفل
"بالحب سد" مرة واحدة على الأقل خلال سنوات حياته، إذاً ما هو المفهوم
الفعلي لهذا العيد الذي اعتاد الملك أن يجري أثناء الاحتفال به مع "الثور
أبيس".
أقدم ما ذكر عن "أبيس" وهو ما حفظه حجر
باليرمو، إذ ارتبط بجريه أو سباق شعائري يسمى "pHrr-@p" ومازال المغزى من إقامة تلك
الشعيرة امر غير مؤكد، ووفقاً لرأي كييس، وأوتو Kees and Otto فإنهما يفترضان أن طقس pHrr-@p له في الأصل خاصية زراعية، كما
كان له موكب يقام حول الحقول، والقطعان لتمدهم بالخصوبة.
إذا كانت المسألة هكذا، إذن كان يتحتم تكرار هذا الطقس
كل عام، بيد أنه يصعب القول بأن هذا السباق كان يحتفل به بشكل نظامي بفاصل زمني
منتظم، ونحن نعلم أن سباق "أبيس" قد عقد مرة واحدة إبان حكم الملك
"أوديمو"، ومرتين أثناء حكم الملك "ني – نتر" بفاصل زمني
مقداره ست سنوات، واخيراً نجد أن الاحتفال عقد مرة واحدة في السنة السابعة عشرة من
حكم الملك "سنفرو". وبغض النظر عن حالة الملك "أديمو"، فإن
حوليات حجر "باليرمو" لم تذكر أي حالة أخرى من حالالت عقد هذا الاحتفال،
حيث أقيمت تلك الشعيرة مرتين في عهد هذا الملك.
ولعل سبب عدم الانتظام هذا، يرجع إلى أن الاحتفال بتلك
الشعيرة إن هو إلا أمر ارتبط بظاهرة كان من المعتاد أن تتم مرة واحدة في العام.
ومما لاشك فيه أن تلك المسألة تتعلق بمقدار ارتفاع فيضان نهر النيل، الذي كان
يتحتم قياسه عند مقياس النيل، وما يليه عند معبد النيل الذي من المعتاد تسميته
بابيلون/خر/aha (ويقع بأثر النبي
بالقرب من القاهرة). يعني ذلك أن هذا الطقس كان لا يحتفل به إلا إذا كان مستوى
مياه فيضان النيل تصل إلى ارتفاع كبير، أو ارتفاع غير عادي، أو عند انخفاضها
انخفاضا غير عادي.
إن أردنا التركيز في بحثنا هذا على العلاقة بين
"أبيس" ونهر النيل، وهي العلاقة التي تمثل منحى أساسياً للعبادة الخاصة
بهذا الحيوان، يصبح من الضرورة بمكان أن نذكر وثيقة من وثائق
"السرابيوم" ، حيث نقرأ ذلك النص الذي ورد بها:"عندما يصل (أبيس)
إلى حوت – حابي Hout-Hapy أي معبد النيل"
وتؤكد تلك المقولة أن زيارة الثور – أبيس، التي ذكرها الكتاب التقليديون، إلى قدس
أقداس النيل قبل تمجيده في منف، وكان من المعتاد عند وفاة هذا الحيوان أن تدفن
مومياؤه برعاية كهنة النيل، إضافة إلى ما تقدم، نجد أن نصوص العصر المتأخر أوجدت
علاقة بين التحركات الدورية للتيار، وأفعال الثور أو أبيس نفسه، وقد أضيفت صورته
على شكل النيل، وأضيف اسمه للألقاب المحلية للفيضان.
في ضوء ما ذكرنا أعلاه، يمكننا أن نفترض وجود تشابه معين
بين فيضان النيل والثور، فكلاهما كان خصباً وقوياً. كما أننا نعرف أيضاً أن النيل
قد لعب دوراً مهماً في توحيد الأرضين، لذلك نجد أن الاحتفال بالعيد يصور المليك
مرتدياً ذيل الثور، وهو يعدو مع "أبيس" بين الأبنية الثلاثة التي تتخذ
شكل الحرف D في الجهة الشمالية من
الفناء ومثيلاتها التي كانت توجد في الجزء الجنوبي من الفناء (وهو ما يمثل منبعي
النيل)، بغية تجسيد فيضان النيل، الذي كان يزود تربة مصر بالسماد، كما كان من
ناحية أخرى يحافظ على وجود الأرضين متحدتين.
4-
المعبد ذو شكل الحرف T
عندما نعبر من
خلال الفتحة الموجودة في الجانب الشرقي من الجدار الذي يحيط بالفناء المفتوح،
نلاحظ في الجهة اليسرى وجود أطلال مبنى صغير تحدده ثلاثة أساطين متصلة بالجدار
بواسطة أزواج دعم، تماثل تماماً تلك التي رأينها من قبل، والجزء العلوي من جدران
هذا المبنى والذي يمكن تسميته "الأثر ذو الثلاثة أساطين المقناة"، مزين
بكورنيش مكون من عدد من العلامة الهيروغليفية "". ويمكن الزائر أن نرى
مرة أخرى على الجانب الشرقي من هذا المبنى، باباً نصف مفتوح ممثل في الحجر. وعندما
نغادر المبنى متجهين نحو الجنوب، نمر بجانب حائط منحوت – والذي يعد حسب غاية علمي –
المثال الوحيد من نوعه، حيث فضل المصريون الجدران المتعامدة.