الحركة الصهيونية والتهجير الاجباري في العراق
بقلم الاستاذ |مجاهد منعثر منشد
ما يدعونا لطرح هذا الموضوع هو اننا لم نسمع او نطلع من على لسان سياسي او مسؤول امني او وسائل الاعلام عن ماهية السبب الرئيسي لجريمة التهجير الاجباري من خلال الارهاب .
وبالنسبة للشائع بانه احتقان طائفي او مذهبي او تنافس على السلطة او غيره , وبانه مدعوم من بعض اجهزة المخابرات العربية كل ذلك فروع من الاصل الذي لا يذكر تماما .
اما التسميات التنفيذية الشائعة كتنظيم القاعدة و داعش وغيرها من المسميات المرتبطة بالأجهزة المخابراتية المذكورة اعلاه هي ايضا كذلك فروع من الاصل الرئيسي غير المنوه عنه .
وربما هناك من يراود ذهنه بأن الارهاب من بنيات افكار الحكام والزعماء العرب !
وهذا غير صحيح , وذلك ليس لانهم من اهل الغيرة والحمية , بل اغلبهم ماكنه لدعم ما يخدم بقائهم على العروش , فالأفكار تأتيهم جاهزة من الاصل وما عليهم الا التنفيذ .
ولو تأملنا في تبني مسالة القومية العربية التي اخذت مأخذها لفترة محددة بين بعض الحكام , لوجدناها تلاشت تماما مع مرور الزمن .
وهذا ما يدل على ان الزعماء والحكام العرب لم تنجح لهم ولو فكرة واحدة على طول مدة تعاقب الملوكيات و الجمهوريات .
وربما هناك فكرة او عمل قد نجح في وقت ما , لكن نجاحه يكون ضمن الملوكية او الدولة تحديدا ولوقت محدد .
اذن وخصوصا في وقتنا المعاصر الافكار تأتي من الاصل وما على الاليه الا السمع والطاعة .
ولاشك بأن لبعض الدول العظمى مشاريع واستراتيجيات مستقبلية فيما يخص العراق وهذا واقع ,ولكن المخفي منه هو ارتباط المصالح بين بعض الدول المذكورة والدولة الصهيونية ذات الهدف المشترك .
بعد احتلال العراق من قبل القوات الامريكية في عام 2003 بدأت الصهيونية تعمل من خلال فروعها داخل بغداد اولا , وبالتعاون مع وكالة الاستخبارات الامريكية عن طريق صنيعتهما تنظيم القاعدة الارهابي باستراتيجية (فرق تسد) المسماة (حل السلفادور) , وبالفعل استطاعت أثارت صراعات مسلحة مبنية على قاعدة طائفية، لاسيما وان سياسية الاحتلال شجعت على عمليات اغتيال داخل الفئات الدينية والمجتمعات المدنية , واتبعت سياسة التمويل للصراعات ومضاعفتها، لينتشر زعماء وقطاع طرق سياسيون وأمراء حرب ومبعدون وفرق موت لتكون (حرب الجميع على الجميع) ليصبح العراق مجمع من الشبان المسلحين والعاطلين عن العمل، حيث قامت قوات امريكية خاصة وفرق موت تديرها ال(CIA) بنشر الرعب داخل المجتمع العراقي ,مرة من قبلها , وتارة اخرى من قبل القاعدة . والاخيرة نفذت الاسلوب المطلوب منها مع اسناد القوات المحتلة لها من خلال جرائم التهجير الطائفي والعرقي القسري لمئات الآلاف من بعض الطوائف والأعراق من مناطق إلى مناطق أخرى من العراق لأسباب وعوامل متعددة منها تدهور الوضع الأمني وانتشار ظواهر الخطف والقتل على الهوية مما أدى إلى هجرة واسعة من العراقيين إلى الدول المجاورة أو الدول الأخرى.
وفي السنوات التالية احترقت ورقة تنظيم القاعدة من قبل ال(CIA) لتقدم الجديد المقترح من الحركة الصهيونية والمسمى ((داعش)) وليحل محل التنظيم المحروق مع الزيادة في التكليف لتحقيق مشروع تفكيك العراق , اذ شن تنظيم داعش هجمات ظلامية بعد سيطرته على الموصل حيث تعرضت الاقليات الدينية هناك كالمسلمين الشيعة والمسيحيين و الايزيدية والتركمانية والشبك للقتل والتهجير واختطاف الكثير من نساء الشيعة واليزيدية والمسيحيين واستقدامهن كجاريات , فشهدت الموصل نزوح كامل لجميع الاقليات المذكورة .
ومن هنا علينا تقديم اسم الاصل الرئيسي الذي قدم الفكرة والاسلوب , وكشف مشروعه واستراتيجيته بالأدلة العقلية والمنطقية .
ان الاصل هو الدولة الصهيونية المتمثلة بإسرائيل ,والمشروع الاستراتيجي هو التهجير من أجل الاستيطان في بعض المناطق العراقية .
والتهجير على نقيض الهجرة حيث انتقال الأفراد او الجماعات يحصل نتيجة رغبة أو هدف تحمله فئة معينة ممثلة بحكومة أو منظمة أو حزب او أي من التسميات الأخرى ، فعندما تعجز هذه عن دفع فئات معينة للهجرة نحو الأماكن التي تحددها بالطرق والأساليب الاعتيادية تلجأ الى البحث عن مصادر أخرى لدفعهم للهجرة كافتعال الحوادث الإرهابية.
وظاهرة التهجير ليست وليدة اليوم ,اذ استخدمت قبل الميلاد من قبل الامبراطوريات ضد اليهود بسبب نقضهم العهود كما بينا في العدد الثاني من مقالنا (نبذة مختصرة عن تاريخ يهود العراق القديم) .
وربما اخذتها الحركة الصهيونية كفكرة واستنبطتها مما جرى على اليهود في العهود القديمة ,فجعلتها وسيلة متبعة في تنفيذ مشاريعها .
ولذلك في البداية استخدمتها مع اليهود لجلبهم الى فلسطين , وهذا واضح في اسلوبها المتبع في روسيا عام 1881م, وخلال الحرب العالمية الثانية في ألمانيا وأوربا الشرقية لتهجير اليهود نحو فلسطين، وما فعلته في الأقطار العربية مثل العراق.
اذن فكرة التهجير الإجباري في العصر الحديث من بنيات افكار الحركة الصهيونية , وتستخدمها كوسيلة من اجل تنفيذ مشاريعها الاستيطانية .
والذريعة المعلنة بالنسبة لها في مشاريع الاستيطان هي الدوافع الدينية والسياسية كمحاولة لربطها بالتاريخ اليهودي.
وفي العراق تعتبر مراقد بعض الانبياء جزء من تاريخها مع وجود ثلة من بقاياها على تلك الارض منذ عهود قديمة .
اذن الحركة الصهيونية تهدف الى احتلال بعض المناطق العراقية , ولكن ليس بالأسلوب القديم كما في احتلالها لفلسطين , انما لا تريد ان تفقد أي ضحايا وتتسبب في تقليل اعداد اليهود ,فان حاجتها الملحة لزيادات الاعداد وليس على العكس .
وهنا ينبغي لها ان تنشأ حركات وفئات تنفيذية لمشروعها ,وهؤلاء هم الفروع التي ذكرناها اعلاه كتنظيم القاعدة وداعش بدعم من مخابرات بعض الدول العربية .
وفي وسيلتها (( التهجير الاجباري )) تهدف الى تقليل التنوعات الدينية والقومية من جانب , والجانب الاخر التمهيد وتهيأت المناطق وافراغها من تلك التنوعات من اجل السيطرة لغرض الاستيطان والانفراد .
وهذا لا يحتاج الى مزيد من التفكير حيث اوضحنا في العدد الاول (دولة الفكر الصهيوني ومسالة القومية اليهودية ) اعلان هرتزل في سنة 1897م الذي قال : ((ان اليهود عنصر متميز ، مستقل غير قابل للاندماج او العيش بسلام مع المجتمعات غير اليهودية إلا على أرض مستقلة)) ,فمن يتأمل في نشاط الحركة الصهيونية في تهجير يهود العراق الى فلسطين ما قبل الحرب العالمية الاولى , سيجد بأن الحركة كانت حريصة على تهجير يهود كردستان قبل غيرهم , فقد استخدمت الصهيونية كل وسائل الأغراء والعطف الديني لحثهم على الهجرة , فكان السبب الاول لكونهم أصحاء الجسم، يمتهنون الزراعة والبستنة وتربية المواشي ، فهم بذلك يصلحون أكثر من غيرهم كايدي عاملة في الحقل لاستخدامهم في الأعمال الزراعية ، وجرت محاولات لتوطينهم في مستعمرات الجليل ، وعمل بعضهم مع الهاشومير (الحارس) وهم من أوائل المنظمات الصهيونية المتخصصة في أعمال حراسة المستعمرات والممتلكات الصهيونية في فلسطين .
والسبب الثاني : لاستخدامهم مستقبلا في مشاريع الاستيطان في العراق .وهذا السبب موافق ومتناسب مع ما نشره الكاتب والصحفي الامريكي ويل مدسون في تقريره الذي كشف فيه مخطط اسرائيل الى الاستيطان في العراق حيث قال : المخطط هو نقل اليهود الاكراد من اسرائيل الى الموصل نينوى شمال العراق تحت زيارة البعثات الدينية والمزارات اليهودية القديمة ,,
واستعرض الكاتب اسباب الاهتمام من الإسرائيليين بأضرحة الانبياء نحوم ويونس ودانيال وحسقيل وعزرا موضحا على ان الكيان الصهيوني ينظر اليها انها جزء من اسرائيل حالها حال القدس والضفة الغربية .
وقد شن الموساد الاسرائيلي بالتعاون مع المليشيات الكردية حملة اغتيالات وهجمات على المسيحيين الكلدانيين لتهجيرهم بالقوة والصقت ذلك العمل بتنظيم القاعدة في حينها.
وان المخطط يهدف الى استيطان اليهود الاكراد محل الكلدان والاشورين (انتهى).
ان الاكثرية والاقليات في العراق مستهدفة بهذا المخطط , ولكن يبدو ان الحركة الصهيونية تطلب الثأر من مسيحيوا العراق , اذ تريد ان تنتقم منهم بسبب ما فعلته الامبراطورية الاشورية والكلدانية باليهود قبل الميلاد .
ولذلك تريد افراغ الأقلية المسيحية المسالمة من البلاد , فاستهدفتها حيث كانت أكثر الأقليات تعرضاً الاعمال الارهاب ,فتعرضوا لأبشع انواع الارهاب من قتل وتهجير واغتصاب المنازل والأموال وهدم عشرات الكنائس وحرقت محالهم التجارية.
و أن عدد السكان المسحيين قبل دخول الأمريكان كان مليون ومائتا ألف نسمة في حين عددهم حالياً يبلغ بحدود 600 ألف نسمة فقط .
ويظهر لنا الهدف من حملات تهجير المسيحيين من العراق هو استبدال اليهود العراقيين بالمسيحيين العراقيين بعد تهجيرهم من العراق، حيث قامت اسرائيل بشراء اراضي واسعة في شمال العراق تقدر بستة آلاف دونم في كركوك وشراء خمسمائة منزل في الموصل، وألفي دونم وثلاثين مبنى في أربيل، ويتردد إن مالكيها من الفلسطينيين المتعاونين مع الموساد، واليهود العراقيين والمغاربة في خطوة اولى لإعادة مائة وخمسين الف يهودي الى العراق.
ويقوم وكلاء الموساد في التخطيط لإخلاء سكان المناطق التي يعدها الإسرائيليون أملاكاً تاريخية لهم، لاسيما المناطق المسيحية في الموصل مثل الحمدانية وبرطلة وتلكيف وباطناية وباشكية والقوش قره قوش وغيرها من المناطق الشمالية.
وان عملية التهجير لا تقتصر على المسيحيين فحسب , وإنما عملية خطط لها منذ عقود لتفتيت وحدة العراق وإحداث تغير ديمغرافي للسكان اذا عمليات التهجير القسري شملت التركمان والشبك الشيعة باتجاه مناطق الجنوب والوسط الشيعية كذلك تهجير السنة من مناطق شيعية، وايضا تهجير قسم اخر باتجاه كردستان فخريطة التهجير هي تمهيد لتقسيم العراق ثلاث دويلات .
واخيرا هذه هي احدى المصالح المشتركة بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة الامريكية .