الجغرافية الطبيعية ، والشمس ، والبحر ، والقمر .
والهجرات البشرية المتعاقبة ،والحروب الأهلية والخارجية . أبرز المكونات
التي لعبت دوراً رئيسياً في تشكيل المعتقدات الإغريقية القديمة. فيما يتصل
بالخلق ، والحياة على الأرض . الطبيعة هي موطن الحياة . والشمس رمز القوة ،
والبحررمز الإنتشاروالتوالد معاً . والشمس والقمر رمز الإتحاد في عملية
الخلق . ما هو معروف عن الحضارة الإغريقية القديمة ، لا يتجاوز فترة الألف
الثالثة قبل الميلاد من الناحية الوثائقية والأدلة . رغم أن عمر الحضارة
الإغريقية القديمة حسب آخر المكتشفات الاثرية يعود الى عشرة آلاف عام قبل
الميلاد . حيث تم مؤخراً العثور على مسرح قديم في منطقة ( مينيذي ) إحدى
ضواحي أثينا يعود الى تلك الفترة الزمنية ، التي لا يوجد لها أي توثيق .
كما يبدو أن مجموع الحروب والصراعات الآهلية وكذا الدينية ، والإحتلال
المتعدد من قوى مختلفة عبر التاريخ ساهم الى حد بعيد في دمار ، وإتلاف
العديد من الشواهد القديمة على حضارة ما قبل التاريخ . لكن مما لاشك فيه أن
الحضارة الإغريقية تأثرت ، وأثرت بحضارات مصر القديمة ، وبالحضارة
السومرية . والأخيرة ربما يعود لها الفضل في نشر العديد من أفكارها خارج
حدودها . خاصة الإعتقادات الدينية ، ومنظومة الأفكار الإجتماعية التي أسست
لنشوء مجتمعات تفصل ما بين الألهه كطقوس للعبادة ، وما بين القوانين
الناظمة لحياة البشر . وعملية الفصل بين ما هو ديني – غيبي أو إسطوري ،
وبين نظام الحكم الأرضي تجلى بصورة واضحة في الحضارة السومرية كما تجلى
بصورة أوضح في الحضارة اليونانية . فالأساطير الإغريقية القديمة ، وإن عبرت
عن تكوين المنظومة الفكرية لليونان القديمة ، لكن هذه الأفكار كانت تحمل
روحاً تعددية – ديمقراطية – أرضية . وبقيت المثولوجيا القديمة رافداً
راقياً لنظام الحكم التعددي . رغم محاولات فرض نموذج الحكم الواحد الذي لم
يستطع ( زيوس ) فرضه . لندع الأن مقدمتنا الأوليه ولنرى بعض الصور من الكم
الهائل للشواهد اليونانية المتوفرة حول النقاط التي نحن بشأنها ، ومرة أخرى
هدفنا ، الوصول الى فهم كيف نجحت الفكرة الإنقلابية الفردية على فكرة
التعددية الرمزية ، وسيادة فكرة الديكتاتورية في الفهم الأخناتوني فيما بعد
. والتي تأسست بناء عليها منظومة الديانات ( السماوية ) اللاحقة . وشكلت
نقطة الإرتكاز الرئيسية في التشكيل الفكري المحافظ . واسست لسيادة فكرة
إستغلال الإنسان للإنسان بواسطة الإحتكام لاى مفهوم غيبي ، لم يكن ولا زال
يفتقد الى دليل مادي . في وقت لم تكن فيه مستويات الوعي عند عامة الناس
تسمح بنقد الموروث المثولوجي . لكن النقد المسلح بمستوى راق من التفكير نشأ
فقط في كتابات الفلاسفة الأغريق في مرحلة الألف قبل الميلاد ، وربما بشكل
خاص في العام 350 قبل الميلاد . خاصة سقراتس ، وأرسطو ، وبلاتونس ، وفي
البحث العلمي الرياضي . هذه الإبحاث التي يدين لها العالم بما وصل اليه
الأن من تطور معرفي . حتى المؤرخ ( هيرودتس ) التي تعتبر أشعاره ( إنجيل
الإغريق ) القديم لم يستطع التخلص من طغيان ميثولوجيا الخرافات والأساطير.
ومع ( براكليس ) مؤسس الدولة الإغريقية الآولى العام 500 قبل الميلاد ،
شهدت موجة التمسك بالأساطير القديمة حالة تراجع . كان يمكن أن تؤسس بداية
بركليس في بناء الدولة الحديثة أنذاك الى ولادة عالم جديد واقعي . ولو لم
يجرى دمار هذه التجربة ، ربما لما إحتاج الإنسان هذه السنوات الطويلة لكي
يعيد بناء تصوراته المستقبلية . وربما لم تكن هناك فرصة لترسيخ فكرة
الديكتاتور الواحد ذات السيادة المطلقة في الحكم والقرار . أمام تأزم
المشهد السياسي في حينها نتيجة الصراعات الحادة بين أثينا وإسبارطة ،
ومعارك الأغريق ضد الإحتلال الفارسي . والتهديد الذي بدأت تشكله القوة
الصاعدة الجديدة ( روما ) القائمة على تآليه الحاكم الفرد . خاصة بعد خسارة
قرطاجة في آخر مواجهة بحرية مع الرومان .تراجعت ، وإنهارت تجربة براكليس
النموذجية ، ولم تكن تجربة بلاتونس في ( المدينة الفاضلة ) بأحسن حظاً .
بيد ان المعرفة الإغريقية كانت قد شقت طريقاً جديداً نحو معرفة أفضل للعالم
ولما يحيط بهذا الكون .
المهم لنعود الى جوهر النقطة الرئيسية محور
البحث ، وهي فكرة التعددية والديكتاتورية . وإلقاء نظرة سريعة على العقيدة
الدينية ، وهناك مراجع عديدة لمن يهمه قراءة تفاصيل أكثر عن الحضارة
الإغريقية .
في الألف الثانية قبل الميلاد ، جاء الهلينيون الى جنوب
بلاد الأغريق الحالية . حاملين معهم فكرةإله الهند – أوربي ( ديوس ) أو (
زيوس ) . ومعه جاءت رفيثته ( ديوني ) والعذراء ( بلاس ) التي تقوم بالأشراف
على المعارك . ومع أول موجه من المهاجرين من الهلينيين ، إحتفظت الألهه
بمكانتها المرموقة وأصبح إله السماء هو ( بوزيز – داس ) زوجاً للأرض (
بوسيدون ) وجرى تثبيت ( زيوس ) كإله البحر وبذا تمت عملية تزويج إله
السماء بعد إختفاء ( ديوني ) وولادة إبنه ( هرقل ) أما في أثينا فكانت
الغلبة للعذراء (بلاس ) واصبح إسمها أثينا وبذلك تمكنت من إتخاذ قرار يعطي
أبناء جزيرة ساموس ( حق المواطنة ) العام 450 قبل الميلاد وهناك تمثال يجسد
هذا القرار حيث ( هيرا إله أرغوس تصافح أثينا إله أثينا ) . زكلاهما
يمثلان رمز المرأة .الحاكمة والمتساوية مع الذكر الأله الحاكم .
إنتشرت
عبادة الإلهه الأنثى في مناطق واسعة من الشرق الأدنى ، فقد كانت تمثل قوة
الخصوبة في الطبيعة . وفي ذلك إسقاط للنموذج الأنثوي للحياة . فهي الأم ،
كما إطلق عليها فيما بعد ( أم الألهه ) وإتخذت أسماء عديدة في مختلف ديانات
الشرق القديم . وغالباً ما يكون لها زوجاً أو رفيقاً وهو إله شاب فتحزن ،
ثم ينهض من جديد ويبقى حياً بمعجزة . كان هذا الله هو ( دوموزي ) أو تموز
أو أدونيس ،؟ روح النبات الذي يموت في الشتاء ثم ينهض في الربيع . وتعكس
الصورة هنا كيف تجدد الطبيعة ذاتها .
الألهه الأم كان إسمها ( هيرا ) في
أرغوس وهي زوجة الأله ( زيوس ) كبير الألهه . الذي ولد فوق جبل إيدا .
هنا
تفرع المعتقد الديني الى شقين . الآول مثلته الأم ( هيرا ) وهي عبادة
الخصب ، حيث إرتبطت الإلهة بالقمر ، لما للقمر من إرتباط بالطمث وقوة
النساء . كما إرتبط ( زيوس ) بالشمس . لكن أيضاً إرتبط إسم زيوس بكثرة
غرامياته . فزواج السماء مع الارض جعل الخصوبة مضمونة، ولما كان من الطبيعي
أن يعبد إله السماء فوق الجبال ، فقد جرى بناءعرش زيوس فوق جبل أوليمبوس .
وحول زيوس تم نسج العديد من الآساطير. لكن في معظمها تشير الى تحولات زيوس
في صور مختلفة . غمتزج إسمه مع أسماء بعض الألهه المحليين ،وبرزت لزيوس
نزعة الأنفراد في الحكم .لكن تم وضع ( هدنة ) وتشكيل مجلس سياسي يضم الإلهه
الثلاثة عشر ، لكن الثالث عشر كان منبوذاً( ؟) .هل هناك أوجه تشابه رقمي
بين الحواريون الإثني عشر دون ( يهوذا ) أو تشابه بين ( إني رأيت أحد عشر
كوكباً والشمس والقمر لي ساجدان ) وبصيح الرقم أيضاً ثلاثة عشر ...؟ ربما .
في الشعر الذي ينسب الى 0 هوميروس يظهر مجمع الالهه في جبال الأولمب اشبه
بالمجتمع البشري ، فزيوس هو القائد الأعلى ، والآب لكل البشر .بيد ان (
هيرا ) هي حارسة الزواج وبوسيدون يحكم البحر، وأفروديت هي قوة الحب ، أما (
اثينا ) فهي ربة الحكمة وراعية الحرف الفنية والفنون الحربية . أما أرتميس
فهي ربة الطبيعة البرية . اما الأله ( أبولو ) فإسمه مركب من ( فوبس أبولو
) أي أبولو المطهر . وهو يعتقد أنه إله الشمس . بإعتبار أن الشمس مطهرة
بقوتها . لكن ظهر إله جديد وهو الثالث عشر هو الأله ( هيفستوس ) البشع الذي
تزوج ( ربة الجمال افروديت ) هذه الثتائية المتضادة ، أو وحدة الأضداد ،
تحمل اكثر من معنى ، كما تحمل ملامح ( سقراتس ) البشع أروع فلسفة وحوار
منطقي قدمه العقل آنذاك .
هنا السؤال يطرح تلقائياً حول مصدر المثولوجيا
القديمة التي نشأت في اليونان ؟ الدراسة المقارنة بين أسماء الألهه
السومرية ، والسورية القديمة وكذا المصرية ، تشير الى أن هناك جذر تاريخي
مشترك بين هذه الحضارات . هنا يقول العالم والمؤرخ الألماني ( ف – كريزر )
في كتابه تاريخ المثولوجيا 1836 – 1842 أن معظم هذه الأفكار جاءت الى بلاد
الإغريق عن طريق الهجرات الأسيوية . ولم يكن بإلإمكان تدوين هذه الإفكار
كتابة ، لذا تحولت الى قصائد شعرية قابلة للحفظ . وهي النقل الشفهي ،؟
مختلطة مع كافة المبالغات التي تضفيها عملية النقل الشفهي . على غرار
معلقات( عكاظ ) هنا ربما ما يؤكد ذلك قصائد ( هوميروس ) الجميلة . ورغم أن
هذا الرأي له معارضية من قبل بعض الكتاب والبحاثة في علوم التاريخ ، لكن
يبدو أقرب الى العقلانية . بالطبع الإغريق طورت هذه الإفكار وغذتها .بل
أكثر من ذلك فقد منحت الحياة لهذه الألهه ، وجعلتها أقرب الى الناس ، تعيش
معهم كافة تفاصيل حياتهم الأرضية . ربما لهذا السبب كانت ألهه الإغريق
مقبولة أكثر شعبياً من ألهه المصريين المتغطرسة على عامة الشعب . بمعنى أخر
تم إنزال الأله من السماء الى الأرض ، بعكس المعتقدات المصرية ، التي حجبت
الأله عن عامة الشعب . لذا ليس غريباً ان يجري تشكيل مجلس حكم سياسي جماعي
القرار، من الألهه برئاسة ( زيوس ) ، فيما كانت الديانة المصرية قبل
أخناتون رغم التعددية لكن الحاكم كان ممثل الشمس أو ( رع ) على الارض . ما
نود أن نخلص اليه أن هناك أوجة التماثل ما بين الحضارة الإغريقية القديمة ،
وما بين حضارة ما بين الرافدين ، اكثر مما هي عليه في العلاقة مع الحضارة
المصرية القديمة . رغم أن ( إسكندر المكدوني ) توج ملكاً على مصر، وجرى
إلباسه خوذة ذي قرنين ، وإعتبار رأسة كرأس كبش مقدس . لأن طموحات (
الإسكندر المقدوني ) ذي القرنين كانت أكبر من طموحات الأمبراطورية المصرية
القديمة ، حتى جرى إعتبار ذاته ( إبن كبير الألهه زيوس ) .323 – 356 ق .م
وأنشدوا له القصائد التي تشير الى أن الألهه الأخرى غائبة أو غير مكترثة
بما يجري من فتوحات حربية . ولذلك تمت عملية تأهيل إلوهية الأسكندر
المكدوني ، وغرس الرغبة في التفرد بالقيادة .بيد أن العديد من المصادر تشير
الى أن الأسكندر المكدوني عندما وصل الى بابل ، فوجئ بمستوى التطور
السياسي والنظم الإدارية ، كما أنه تزوج من إحدى بنات الملك ، بهدف تقوية
سلطانه ، وتأمين ظهره خلال رحلة العودة الى الوطن .
نود هنا أن نشير
الى ان معظم قصص الطوفان الواردة في الكتب ( الدينية ) الثلاث وردت أيضاً
في الميثولوجيا اليونانية ، لكن تم تصوير مسرح الحادثة على أنها في البحر
الأسود في العام 1800 قبل الميلاد ، ومن بقايا التراب وحبات الرمل أعادت
الألهه خلق الإنسان . حتى موضوع الفصل مابين الروح والجسد ، والحساب
والعقاب ، والجنة والنار ، أيضاً متداخلة مع بعضها بين عقائد الحضارات
القديمة . وفي أنحاء متفؤقة من بلاد الإغريق هناك معابد خاصة للتطهر
والعبادة وكهنة محترفون.
النقطة الهامة هنا ، أن الرومان بدورهم تأثروا
بالحضارة اليونانية ، خاصة أن جنوب إيطاليا ، كان سكانها من الإغريق .
وعندما تم إخضاع أثينا للحكم الروماني كان تحصيل حاصل إنتقال المعرفة
والموروثات اليونانية الى أفكار روما ( لاحظ البناء الهندسي في أثينا
القديمة وروما ) حتى المعارف الفلسفية ، وإذا علمنا أن الحضارة المينوسية
نسبة الى ملك ( كريت ) كانت على إتصال دائم مع ليبيا ، ومصر وسورية وفلسطين
، هنا نلاحظ أن معظم أسماء المدن الفلسطينية هي أسماء إغريقية وليست عربية
حتى ( غزه ) هي إسم يوناني أطلقة أسكندر المكدوني عليها في طريقة الى مصر ،
إضافة الى أسماء مثل ( نابلس ، وجيركو ، وعسقلان ، ورام الله ) وهناك مرجع
باللغة اليونانية مفصل بهذا الشأن . يصبح من الطبيعي أن الفلسفة اليونانية
وميثولوجيا الآساطير القديمة كانت منتشرة في الشرق الادنى خاصة في فلسطين
وبلاد الشام . وكانت سابقة بوجودها الأسطوري في أذهان الناس قبل ترجمة كتب
التراث اليوناني في دار الحكمة أيام المأمون .هنا السؤال يبرز هل كانت
فلسطين هي نقطة لقاء الحضارات ..؟ وإنتقال الموروث الخرافي منها الى ثقافة
الجزيرة العربية ..؟ نترك هنا الإستنتاج للقارئ .
نقطة أخير من المهم
ذكرها في معرض فكرتنا ، مذهب ( الرواقية ) الذي إنتشر في العام 331 -232 ق
. م وقوم على أساس ( الألوهية ) الكاملة أو الجبرية .حيث يتساءل الفيلسوف
( سنيكا ) أتسميه القدر ؟ لن تكون مخطئاً .. أتسميه العناية الإلهيه ؟
ستكون على صواب أتسميه الطبيعة ؟ لن تكون تسميتك كاذبة ؟ أتسميه الكون ؟ لن
تكون قد إنخدعت ؟. أما ( أبيقور ) 270 – 341 ق. م فقد كان على رأس (
الملاحدة ) أو ( الزناديق ) أو ( علمانيي ) العصر القديم ، الذي هاجم (
الخرافة ) وما تضم من شرور بقوله :
1- لا يصح أن تخاف من الآلهه.
2-
إننا لا نشعر بالموت .
3- من السهل الوصول الى الخير .
4- من السهل
تحمل الشر .
وقد قال ( الأبيقوريون ) بفناء النفس التي عي بنية من
الذرات تنحل مع إنحلال الجسد . وأنكروا أن الألهه تعاقب الشرير ، او تكافئ
الرجل الخير . كن الأله موجودة ( حسب إجماع الناس عليها ) فقط في الأحلام
تعيش في نعيم مقيم ، تدور بينها مناقشات فلسفية حول العالم وما فيه من خلل
دون أن تهتم بقضايا البشر. غير أن الروح موجوده في حالة تناغم مع اللا
متناهي ، وتستطيع فيوضاتهم أن تلتقط الإشارات لمنفعتها وسعادتها . أما (
أفلوطين ) فيقول أن الأله هو الحب ، هل ما يقابلة في المسيحية أن الله محبة
، يعود جذره هنا ..؟
أخيراً الحضارة افغريقية حضارة غنية وعريقة ، من
الصعب الإحاطة بها بمقال ، لكن حاولنا تقديم عرض مختصر جداً لمدخل الى
موضوعنا الأصلي ، من أين جاءت فكرة توحيد الألهه القسري ، ونسف فكرة
التعددية في العقلية الإنقلابية الأخناتونية ، في المادة القادمة .