منتدى كلية الاداب جامعة عين شمس في حالة وجود اي شكوي anwer_ihab@yahoo.com
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
في حالة وجود اي شكوي يمكنك مراسلة الادارة عبر البريد الالكتروني
anwer_ihab@yahoo.com
منتدى كلية الاداب جامعة عين شمس في حالة وجود اي شكوي anwer_ihab@yahoo.com
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
في حالة وجود اي شكوي يمكنك مراسلة الادارة عبر البريد الالكتروني
anwer_ihab@yahoo.com
منتدى كلية الاداب جامعة عين شمس في حالة وجود اي شكوي anwer_ihab@yahoo.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى كلية الاداب جامعة عين شمس في حالة وجود اي شكوي anwer_ihab@yahoo.com

يقوم المنتدى بمناقشة جميع اقتراحات الطلاب فى جميع اقسام الكلية وايضا كل مواضيع الضحك واللعب كمان وتابعونا علي صفحتنا علي الفيس بوك ( اداب عين شمس https://www.facebook.com/groups/198810466953202/)
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحضارة الاسلامية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
تغريد مصطفى ابراهيم
مشرف
مشرف
تغريد مصطفى ابراهيم


عدد الرسائل : 1204
العمر : 32
Localisation : egypt
تاريخ التسجيل : 02/09/2009

الحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: الحضارة الاسلامية   الحضارة الاسلامية Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 1:13 pm

[size=25]الحضارة الاسلامية
أنواع الحضارة الإسلامية
مفهوم الحضارة:
الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي
التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية
مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالى يستطيع الإنسان
أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي
تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد
سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق
امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون
من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد
وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على
حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة؛ ومن
هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن
الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام
الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير
حياة الإنسان.
مفهوم الحضارة الإسلامية:
الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ،
وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة
للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح
قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء
الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة،
وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.
وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من
الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير
هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته،
وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها
يعلِّمون العالم كله ويوجهونه.
أنواع الحضارة الإسلامية:
وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):
وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان
وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغى أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي
قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم،
وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في
هذا الميدان.
2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به
الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء،
والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تسعد الإنسان وتيسر أموره.
3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية
كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها،
وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر
كُتاب العالم الغربى يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات
القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت
الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر
بصورة مستقلة.
وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها
وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا،
إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف
تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا
مجرد تحقيق التقدم المادي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو
الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة
الأفراد والمجتمع الإنساني كله.
أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ
تعنى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما
يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة
الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما
وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات
الأخرى.
شكر خاص لـ ac4p.com


خصائص الحضارة الإسلامية
ومظاهرها
خصائص الحضارة الإسلامية للحضارة الإسلامية أسس قامت عليها، وخصائص تميزت
بها عن الحضارات الأخرى، أهمها:
1- العقيدة:
جاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة،
وحرص على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفى كل تحريف سابق لتلك
الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد
ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
فأنهي الإسلام بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقش افتراءات
اليهود والنصارى، وردَّ عليها؛ في مثل قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن
الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول
الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا
لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}
[التوبة: 30-31].
وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر، قال
الله تعالى: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. لو كان فيهما آلهة إلا
الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 21-22].
2- شمولية الإسلام وعالميته:
الإسلام دين شامل، وقد ظهرت هذه الشمولية واضحة جليَّة في عطاء الإسلام
الحضاري، فهو يشمل كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
والفكرية، كما أن الإسلام يشمل كل متطلبات الإنسان الروحية والعقلية
والبدنية، فالحضارة الإسلامية تشمل الأرض ومن عليها إلى يوم القيامة؛
لأنها حضارة القرآن الذي تعهَّد الله بحفظه إلى يوم القيامة، وليست جامدة
متحجرة، وترعى كل فكرة
أو وسيلة تساعد على النهوض بالبشر، وتيسر لهم أمور حياتهم، ما دامت تلك
الوسيلة لا تخالف قواعد الإسلام وأسسه التي قام عليها، فهي حضارة ذات أسس
ثابتة، مع مرونة توافق طبيعة كل عصر، من حيث تنفيذ هذه الأسس بما يحقق
النفع للناس.
3- الحث على العلم:
حثت الحضارة الإسلامية على العلم، وشجَّع القرآن الكريم والسنة النبوية
على طلب العلم، ففرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها
من العلم، فقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
[الزمر: 9]. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا
منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
وقال رسول الله ( مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: (من سلك طريقًا يبتغي
فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) [البخاري وأبو داود والترمذي
وابن ماجه]. وقال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [البخاري وأبوداود
والترمذي وابن ماجه].
وهناك أشياء من العلم يكون تعلمها فرضًا على كل مسلم ومسلمة، لا يجوز له
أن يجهلها، وهي الأمور الأساسية في التشريع الإسلامي؛ كتعلم أمور الوضوء
والطهارة والصلاة، التي تجعل المسلم يعبد الله عبادة صحيحة، وهناك أشياء
أخرى يكون تعلمها فرضًا على جماعة من الأمة دون غيرهم، مثل بعض العلوم
التجريبية كالكيمياء والفيزياء وغيرهما، ومثل بعض علوم الدين التي يتخصص
فيها بعض الناس بالدراسة والبحث كأصول الفقه، ومصطلح الحديث وغيرهما.
مظاهر الحضارة الإسلامية:
لم تغفل الحضارة الإسلامية الجانبين الروحي والمادي في حياة الإنسان، لذلك
نجد أن الحضارة الإسلامية برزت في مجالات متعددة، بحيث ترقى بالإنسان في
كل مستويات حياته، ومظاهر هذه الحضارة هي:

الجانب السياسي.
2- الجانب الاقتصادي.
3- الجانب الاجتماعي.
4- الجانب العلمي.
5- العلاقات الدولية.
6- النظام التشريعي.
7- النظام القضائي.
8- الجانب العسكري.
9- الجانب المعماري.
الجانب السياسي في الحضارة الإسلامية
جاء الإسلام رحمة للعالمين، وجاءت تعاليم الإسلام لتضمن سلامة المجتمع
البشري من التفكك والضعف والانحلال، ولتضمن سعادته في الدنيا والآخرة،
ولقد تمسك بها الصحابة -رضي الله عنهم- فخضعت لهم الدنيا، وأسسوا للإسلام
دولة واسعة الحضارة، قوية البناء، محبة للعلوم، والتاريخ خير شاهد على
ذلك. لقد وضع الإسلام نظامًا لم يكن معروفًا في أي مجتمع من المجتمعات،
ولم يكن هذا النظام تطورًا طبيعيًّا أو غير طبيعى لأي نظام سابق عليه.
إن نظام الحكم الإسلامي له أسسه وقوانينه الواضحة المستمدة من القرآن
الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأهمية الحكم في
الإسلام فقد اهتم الإسلام ببيان ما على الحاكم والمحكوم، فحذر الحاكم من
اتباع الهوى وشهوات النفس، قال تعالى: {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26]. وقال تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل
الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}
[المائدة: 49].
وحذر الله -سبحانه- المحكوم من العصيان دون سبب مقبول شرعًا، قال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59].
وحرص الإسلام على أن يسود العدل بين جميع الناس، وحذر من الظلم وعواقبه،
حتى مع غير المسلمين، قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن
الله كان سميعًا بصيرًا} [النساء: 58]. وقال رسول الله (: (اتقوا الظلم،
فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) [مسلم].
خصائص النظام السياسي في الإسلام:
1- نظام عالمي:
النظام السياسي الإسلامي نظام عالمي، استمد عالميته من عالمية الإسلام
ذاته، ومن صلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان، فجعل للعلماء القادرين على
الاستنتاج واستخراج الأحكام الحقَّ في الاجتهاد في تفصيل الأحكام وتوضيحها
بالشكل الذي يحقق أهداف الإسلام، ويدور في إطار أحكام الإسلام العامة،
وقد جاءت أحكام الإسلام في أسلوبين:
الأول: أحكام تفصيلية محددة، تبين حكمها نصوص من القرآن واضحة الدلالة، لا
خلاف في معناها، وأحاديث صحيحة من السنة وطرق أدائها، وهذه التعاليم لا
مجال للاجتهاد فيها بالزيادة أو النقصان مثل بعض أحكام الصلاة والزكاة
والحج والمواريث وغيرها.
والثانى: أحكام جاءت من خلال الآيات التي يُختلف في تفسيرها، والأحاديث
التي لم تثبت صحتها، أو ثبتت صحتها ولم يتفق العلماء فيها على معنى واحد،
أو عبارة عن قواعد عامة في مجال المعاملات، وهذه من حق العلماء القادرين
على الاجتهاد أن يبدوا الرأي فيها، بما يحقق مصالح المجتمع الإسلامي في
زمن معين أو وضع معين، مع المحافظة على روح الشريعة، وتحقيق مقاصدها التي
جاءت لمصلحة الناس.
2- المشاركة بين الفرد والمجتمع:
العلاقة بين الفرد والمجتمع في النظام الإسلامي علاقة مشاركة، فالإسلام لا
يعترف بالفلسفات والمذاهب التي تجعل الفرد والمجتمع في صراع، وبعض هذه
المذاهب يفضل جانب الفرد على المجتمع مثل الرأسمالية، وبعضها الآخر يفضل
جانب المجتمع على جانب الفرد كما صنعت الشيوعية، أما الإسلام فهو يوازن
بين الفرد والمجتمع، فهو يعترف بالمسئولية الفردية، أي مسئولية كل فرد عن
أفعاله، قال تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخري. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}
[النجم: 38-39]، ويشجعه على أن يتفاعل مع المجتمع، ويؤدي ما عليه تجاهه،
من خير يحمله إليه، وشر يدفعه عنه، فالفرد عليه تبعات تجاه نفسه، وتجاه
مجتمعه، ملزم بأدائها.
وينظم الإسلام ذلك من خلال مبدأ المسئولية الاجتماعية، وفرض الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعرض الرسول ( لتوضيح هذه المسئولية
الجماعية من خلال المثل الذي ضربه في حديثه: (مثل القائم على حدود الله
والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم
أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقهم،
فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما
أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا)
[البخاري].
وعلاقة الفرد بالحكومة، علاقة تعاون، فقد أعطى الإسلام الفرد حقوقه
الأساسية، وألزم الحكومة باتباع القانون الرباني، وحمى الفرد من تدخل
الحكومة في شئونه دون مبرر، قال تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في
الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26].
وربط الإسلام الفرد المسلم بضوابط أخلاقية، وفرض عليه طاعة الحكومة
المسلمة التي تطبق شرع الله، وطلب منه التعاون معها والتضحية بالنفس
والمال في سبيل حمايتها، قال (: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبد
حبشي) [البخاري].
3- الحكومة الإسلامية نابعة من المجتمع الإسلامي:
فالإسلام لا يعترف بهيئة من خارج المجتمع الإسلامي تحكم الأمة عن طريق
الاستيلاء على السلطة بالقوة وحكم الشعوب بالتسلط والقهر، قال تعالى: {يا
أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:
59].
فقوله تعالى: (منكم) يحدد نوعية الحاكم والحكومة، وهي أنها حكومة إسلامية
منا، وليست من غير المسلمين، قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلاً} [النساء: 141].
4 - التأثير المتبادل بين التعاليم والمبادئ:
نظم الحضارة الإسلامية، الخلقي منها والاقتصادي والسياسي، كل منها يؤثر في
الآخر ويتأثر به، فمثلاً بدون التعاليم والمبادئ الخلقية لا يؤدى النظام
الاقتصادي دوره المنشود، ويصعب الوصول إلى ما يدعو إليه من تعاون وتكافل
بين الناس، كما يسهل تسرب الفساد إلى الأجهزة السياسية وغيرها.
5 - تميز نظام الحكم الإسلامي عن النظم الغربـية:
فالنظم الغربية، تقوم على أساس الخضوع لحكم الأغلبية المطلقة -صالحة كانت
أم فاسدة- فهي التي تشرع وتضع القوانين، وهي التي تحكم، أما في النظام
الإسلامي، فالحاكم الحقيقي هو الله سبحانه، قال تعالى: {إن الحكم إلا لله}
[يوسف: 40].
وسلطة الشعب المسلم والحكومة الإسلامية محدودة بالعمل تبعًا لأوامر الله،
عن رضا واطمئنان وثقة وحب ورغبة.
خصائص الدولة الإسلامية
والدولة الإسلامية تتميز بعدة خصائص منها:
1- السير وفق قانون واضح المعالم:
القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله (، هما أساس الدستور
الإسلامي، وقد يدخل في هذا الدستور من القواعد العامة أشياء غير منصوص
عليها في الكتاب ولا في السنة ومع ذلك يمكن إدخالها تحت قاعدة كلية من
الكتاب والسنة.
إن كل مُشَرِّع يضع القوانين التي تحمى مصالحه وتحقق أهدافه، أما في
الإسلام فإن سلطة التشريع حق لله وحده، وهو لا يحابي أحدًا ولا يظلم
أحدًا، ومن ثم فإن التشريع الإسلامي يتصف بالعدل، ويكره الهوى، ويتسم
بالشمول.
وعلى الإنسان أن ينفذ أوامر الله سبحانه، ويحكِّم كتاب الله وسنة رسوله
فيما يقع بين الناس من خلاف، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بنهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا}
[النساء: 65].
وغاية إقامة الدولة الإسلامية تنفيذ أوامر الله، وتحكيم شرعه بين الناس،
ويتضح ذلك من تعريف العلماء لمنصب الخلافة أو الحكم، حيث يقولون: إن
الخلافة نيابة عن النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، أي أن الحاكم
المسلم أو الخليفة يقوم بمهمته نائبًا عن رسول الله ( في تبليغ أوامر
الله، والعمل بها، وإلزام الناس بالعمل بها، فيما يتعلق بأمور الدين
والدنيا.

2- التقوى هي أساس التفاضل بين المسلمين:
التقوى والعمل الصالح والخلق الحسن أساس التفاضل بين أبناء المجتمع
المسلم، وليس السلطان أو الجاه أو المركز الاجتماعي، قال تعالى: {يا أيها
الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]. وقال (: (لا فضل لعربي على عجمي،
ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى والعمل الصالح)
[أحمد].
3- الوفاء بالعهود الداخلية والخارجية:
وهذا من الخصائص اللازمة والضرورية للدولة الإسلامية، لإقرار الأمن وتحقيق
السلام والاستقرار، قال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا
الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إنَّ الله يعلم ما
تفعلون) [النحل: 91].
وهذا فرض ومنهج حياة لا تجوز مخالفته، قال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد
كان مسئولا) [الإسراء: 34]. وذلك لنشر السلام في كل أنحاء الديار
الإسلامية، لقوله (: (أفشوا السلام بينكم) [مسلم]، ولا فرق في ذلك بين
مسلم وذِمِّي من رعايا الدولة الإسلامية، لقوله (: (إن الله جعل السلام
تحية لأمتنا، وأمانًا لأهل ذمتنا) [البيهقي].
وفي العلاقات الخارجية فالدولة الإسلامية تدعو إلى السلام، ما لم تُنْتهك
حرمات الله أو يُعتدى على أرض المسلمين، قال تعالى:{لا ينهاكم الله عن
الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم
إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين
وأخرجوكم من دياركم وتظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم
الظالمون} [الممتحنة: 8-9].

أسس وقواعد الحكم في الحضارة الإسلامية
1- حق الأمة في اختيار الحاكم وتقويمه:
فالأمة صاحبة الحق في اختيار الحاكم ومبايعته، وفي الإشراف على سياسته
وتصرفاته، ولها حق تقويمه إذا ابتعد عن طريق الصواب، وكل مسلم بالغ عاقل
من حقه أن يشترك في بيعة الحاكم، وما يلزم في اختيار الحاكم هو اختيار
أغلبية الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد وهم مجلس الشورى.
وليس من الضرورى أن يكون هناك إجماع على شخص رئيس الدولة الإسلامية، فمن
المعروف تاريخيًّا أن المسلمين جميعًا لم يجمعوا على اختيار حاكم، فالذين
بايعوا الخلفاء الراشدين هم أهل المدينة، وبعض المسلمين من أهل مكة.
ويُعزل الحاكم إذا ثبت عجزه وفساده، ولكن بعد أن يبذل له المخلصون من
أبناء الأمة وعلمائها النصح بكل الطرق والوسائل التي ترده إلى الحق، فإن
استجاب ورجع إلى الحق فلا ينبغي عزله، إلا إذا لم يستمع لنصح الناصحين
وإخلاص المخلصين، وتعذر تعذرًا شديدًا إصلاح حاله، وظهر استخفافه بمصالح
المسلمين، وعدم اهتمامه بما يحفظ على المسلمين حقوقهم وعزتهم وكرامتهم.
وذلك بشرط القدرة على عزله دون حدوث فتنة تؤدي إلى ضرر يفوق الضرر من
بقائه، فإن تأكد العجز عن عزله دون فتن مهلكة، فالصبر على ظلمه أولى.
الجانب الاقتصادي في الحضارة الإسلامية
المال من أهم مقومات الحياة، جعله الله أداة لتيسير حياة الإنسان ومعيشته
واستقراره، وجعله الله زينة من زينة الحياة الدنيا، فالإنسان مفتون به،
مشغول بجمعه، قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين
والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك
متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: 14].
وهذا الشغف بجمع المال قد يدفع الإنسان إلى عدم تحري الحلال في جمع المال،
وبالتالي يصبح هذا الإنسان عبدًا للمال، ذليلاً له، كما أن ضعفه أو عجزه
عن مقاومة شهواته وغرائزه قد يدفعه إلى إنفاق المال بصورة قد تضرُّ به
وبمجتمعه، فوضع الإسلام ضوابط للكسب والإنفاق، وبين أن الناس مسئولون عن
أموالهم وطرق إنفاقها، وحذرهم من انشغالهم بها عن آخرتهم أو افتتانهم بها،
فجاء هذا بارزًا في قوله (: (لا تزولُ قدما عَبدٍ يومَ القيامةِ حتى
يُسألَ: عن عُمْرِهِ فيمَ أفناه، وعن علمِه فيمَ فعل، وعن ماله من أين
اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه) [الترمذي].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر
الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9]، وقال تعالى: {إنما
أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} [التغابن: 15].
وهناك أمور ينبغي على المسلم أن يعرفها عن المال، وهي:
1- أن هذا المال شأنه كشأن غيره مما في هذا الكون ملك لله.
2- هذا الكون بما فيه من مالٍ وغيره مسخر للإنسان تكريمًا له.
3- المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، فإن أحسن التصرف فيه؛ فله خير
الجزاء، وإن أساء التصرف فيه؛ فحسابه على الله.
4- المال هو وسيلة لحياة كريمة عزيزة، لا غاية يسعى الإنسان لتحقيقها،
ويضيع عمره من أجلها، فالمسلم الحق لا يدع حب المال يستبد به، بل يجمع
المال من حلال، وينفقه فيما يحب الله.
5- المال الذي اكتسبه صاحبه من طريق حلال ملك له ملكية خالصة، يجب أن
يحافظ عليه، ولا يجوز لأحد التعدي عليه.
وبناء على هذه المبادئ والأسس السابقة يكون للإنسان الحق في التصرف في
ماله كسبًا وإنفاقًا وإدارة، وهي حقوق مترتبة على ملكية الإنسان للمال
الذي جاء من طريق شرعي.
الطرق المشروعة في كسب المال
على المسلم أن يتحرى الحق والصواب في طلب المال، ومن هذه الطرق المشروعة:
- العمل الشريف: مثل الزراعة والصناعة والتجارة والوظيفة والحرفة، وغيرها،
فممارسة العمل الشريف حماية للإنسان من التعطل وتوجيه لطاقته من أجل
البناء والتعمير والتنمية، واستخراج خيرات الأرض، استجابة لأوامر الله.
وقد عمل ( والصحابة من بعده، فهذا أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- يعمل بيده
لينفق على نفسه، حتى طلب منه المسلمون التفرغ للخلافة وأمور المسلمين.
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إني لأرى الرجل ليعجبني قوله؛ فأقول: أله
حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني.
- الميراث: وذلك بأن تنتقل ملكية المال إلى ورثة المتوفى، طبقًا للقواعد
الشرعية المقررة لهذا الميراث.
- الهبة: وهي أن يتنازل الإنسان عن بعض ماله إلى غيره دون مقابل، فتنتقل
ملكية هذا المال إلى هذا الغير.
- الوقف: ويكون بحبس المال الحلال على بعض أوجه الإنفاق الشرعية، ولا
يتصرف في أصله، والوقف قد يكون على الأهل والأقارب ومن بعدهم الفقراء، وقد
يكون الوقف على أبواب الخير، مثل: بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى أو ما
سوى ذلك من المشاريع الخيرية.
- الوصية: وهي أن يهب الإنسان إنسانًا آخر جزءًا من ماله لا يتجاوز الثلث،
يأخذه بعد موت الموصي.
- غنائم الحرب: وهي المال الذي يؤخذ من أعداء الإسلام نتيجة الحروب، وقد
أحل الله الغنائم للمسلمين.
- الفىء: وهو المال الذي يؤخذ من أعداء الله نتيجة استسلامهم، ولا يبذل
المسلمون في ذلك مشقة، ولا يتكلفون فيه قتالاً.
الطرق المحرمة في اكتساب المال
حرم الإسلام بعض الطرق التي يكتسب بها المال، وهي:
الربا: حرم الله الربا بكل صوره، قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا}
[البقرة: 275]، وقال (: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديْه وكاتبه)
[مسلم وأصحاب السنن].
الاحتكار: وهو حرام لقوله (: (من احتكر فهو خاطئ (آثم)) [مسلم وأبو داود
وابن ماجه].
العدوان: فلا يجوز للمسلم أن يعتدي على مال الآخرين ليأخذه، قال الله
تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190].
الرشوة: فالمسلم الذي يحصل على ماله من طريق الرشوة آثم عند الله تعالى،
قال الرسول (: (لعن الله الراشي والمرتشي) [أبو داود والترمذي].
الغش: فاكتساب المال من طريق الغش حرام لا يجوز، قال (: (من غَشَّ فليس
منا) [مسلم وأبوداود].
وعلى المسلم أن يبتعد عن الشبهات، لقول رسول الله (: (فمن اتقى الشبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه) [متفق عليه].
استثمار المال
المال له أهمية عظيمة في إنعاش اقتصاد الدولة، وفي رفع مستوى معيشة
الأفراد، والتخفيف من المعاناة التي يحس بها الإنسان، وقد كان أصحاب النبى
( يعملون في التجارة وغيرها ويربحون ربحًا حلالا.
وعندما هاجر النبى ( إلى المدينة وهاجر أصحابه- تاركين أموالهم من خلفهم-
آخى ( بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين
عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وسعد بن الربيع من الأنصار، فعرض سعد على
عبد الرحمن أن يأخذ نصف ماله، فقال عبد الرحمن لأخيه: بارك الله لك في
مالك وأهلك، ولكن دُلَّني على السوق. فدله على سوق بني قينقاع، فذهب إليه،
وتاجر حتى كثر ماله وصار من أغنياء المسلمين، فكان ينفق ماله في سبيل
الله، قال (: (نِعْم المال الصالح للرجل الصالح) [أحمد]. ويُستثمر المال
في الزراعة والصناعة والبناء، وغير ذلك مما فيه عمارة الأرض وصلاح
الإنسان، أما أن يُستثمر المال في تجارة محرمة أو أمر فيه ضرر على الأمة
فهذا ما لا يبيحه الإسلام.
الحقوق في المال
جعل الله المال لتيسير الحياة على الناس، وأمرهم
بالاستمتاع بالطيبات في اعتدال بلا إسراف ولا تبذير، لأن الله حرَّم ذلك،
فقال سبحانه: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف:
31]، وحرم الله كنز المال لغير مصلحة، وذم البخل به دون سبب؛ لأن في ذلك
تعطيلاً لمصالح المسلمين، وتعسيرًا على الناس، قال تعالى: {الذين يبخلون
ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين
عذابًا مهينًا} [النساء: 37].
والزكاة حق معلوم في المال، وهي تُؤخذ من الأغنياء وتُعْطَى للفقراء
بقواعد حددها الشرع، وقد حدد الإسلام مصارف هذه الزكاة، والمستحقين لها،
فقال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله
والله عليم حكيم} [التوبة : 60].
وقد حدد الشرع الأموال التي تجب فيها الزكاة ومقدار ما يجب إخراجه من كل
صنف، ومنها: النقدان (الذهب والفضة)، والحيوان (الإبل والبقر والجاموس
والغنم والخراف والماعز)، والزروع، وعروض التجارة، وزكاة الرِّكاز (وهي ما
يُستخرج من باطن الأرض مثل البترول والمعادن).
والزكاة شعار ورمز لوحدة المسلمين، وهذه الوحدة مطلب أساسي من مطالب
الإسلام، يقول رسول الله (: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم،
كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر
والحمى) [متفق عليه].
والزكاة واحدة من تشريعات كثيرة تعمق المحبة بين المسلمين؛ لأنها تطهير
لمال الغني وحفظ له من التلف، وإحساس بالواجب نحو فقراء المسلمين، وهي
كذلك تقضي احتياجات الفقراء، وتدفع عنهم أعباء الحياة ومشاقها، كما أنها
شكر لله على نعمته.
وإيتاء الزكاة يقضي على الأمراض الاجتماعية الخطيرة، مثل: الحقد، والحسد،
والبغضاء، وهي تضر بالمجتمع وبالفرد معًا.
وإذا لم تكفِ الزكاة لسد حاجة الفقراء وكسوتهم، فإنه يؤخذ من أموال
الأغنياء ما يكفي حاجة الفقراء ويسد رمقهم، ويؤمِّنهم من الخوف، وهذا الحق
مقداره أن تُكْفى حاجة الفقراء، قال (: (إن في المال حقًّا سوى الزكاة)،
ثم تلا هذه الآية {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر
من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على
حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في
البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [الحديث
رواه الترمذي].
كما اتفق الفقهاء على أنه عند حدوث الكوارث مثل هجوم عدو على ديار
المسلمين، ولم تستطع الدولة رد هذا العدوان لعدم وجود المال، فإنه يجب على
الأغنياء أن يُخرجوا من أموالهم ما يكفي لإعداد الجيوش، ولو دفعوا زكاة
أموالهم كلٌّ حسب درجة غناه. قال الإمام مالك: يجب على الناس فداء أسراهم،
وإن استغرق ذلك كل أموالهم.
مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام
لقد عالج الإسلام الفقر من عدة جوانب، منها:
1- الحث على التكسب وطلب الغنى، وبيَّن أن الفقر في أحيان كثيرة خطر على
المجتمع، يمنع استقراره، ويجعل للرذيلة والفساد مكانًا فيه، وأوجب إخراج
الزكاة، وجعلها حقًّا للفقير لا يحق له أن يترك المطالبة به، ولا يجوز
للغني منعه، بل يُعاقب إن فعل ذلك، وأصرَّ عليه كما فعل أبو بكر في قتال
مانعي الزكاة.
2- جاء الإسلام بقاعدة أن المال مال الله، وأن الأغنياء ليسوا ملاكًا
للمال حقيقة، وإنما هم مستخلفون فيه، وهو أمانة من الله عندهم، قال الله
تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد: 7].
3- توفير فرص العمل للقادرين، فالدولة المسلمة عليها مسئولية وواجبات تجاه
القادرين على العمل، فهي مسئولة عن توفير فرص العمل لهم، جاء رجل من
الأنصار إلى النبى ( يسأله مالاً، فقال له النبى ( : (أما في بيتك شيء؟).
قال: بلى، حِلْسٌ نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء. قال:
(ائتنى بهما). فأتاه بهما؛ فأخذهما رسول الله (، وقال: (من يشترِي هذين؟).
فقال رجلٌ: أنا آخذها بدرهم. قال: (من يزيد على درهم، مرتين أو ثلاثًا)،
قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما
الأنصاري، وقال: (اشترِ بأحدهما طعامًا وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر
قدومًا؛ فائتني به)، ففعل الرجل ما أمره به الرسول ( وأَحضر قدومًا، فشدَّ
رسول الله ( عودًا بيده، ثم قال: (اذهب واحتطب وبعْ، ولا أرينَّك خمسة
عشر يومًا)، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى
ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا. فقال رسول الله (: (هذا خير لك من أن تجيء
المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي
فقر مدقع (شديد)، أو لذي غرم مُفظِع، أو لذي دم موجع)
[أبو داود والترمذي وابن ماجه].
فالإسلام لا يعرف عاطلاً، قال الرسول (: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من
أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) [البخاري].
وقد جعل القرآن الكريم العامل الذي يكسب رزقه من عمل شريف، مساويًا
للمجاهد في سبيل الله في الفضل، قال تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض
يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20]. وعلى
الدولة المسلمة أن تعين العاجزين عن العمل إن احتاجوا إلى إعانة، وأن
تمدهم بالمال إن احتاجوا إليه، وإن عجزت الدولة عن توفير فرص عمل شريف
لهم.
4- كفالة العاملين بالدولة: فعلى الدولة المسلمة أن توفر الرعاية
الاجتماعية للقادرين على العمل من أبنائها، فقد ورد أن رسول الله ( ذكر أن
من كان من عُمَّاله وليس له زوجة فليتخذ زوجة، ومن ليس له خادم فليتخذ له
خادمًا، ولم يكتفِ الرسول ( بهذا، بل بين أنه على العمال أن يطمئنوا على
أهليهم، فمن ترك مالا فلورثته، ومن ترك أولادًا صغارًا ضعافًا، فإن على
ولي الأمر أن يرعاهم ويتكفلهم.
مبادئ الاقتصاد الإسلامي
للاقتصاد الإسلامي مبادئ تحفظ له صلاحية تطبيقه في المجتمعات على مر
العصور، منها:
أولا: لم يجعل الإسلام الغنى حاكمًا أو متسلطًا، كما كان الحال من قبل،
وليس معنى هذا أن الإسلام يحرِّم على الغنى أن يكون حاكمًا أو أميرًا أو
واليًا، ولكن الغنى ليس المقياس الأوحد للحكم.
ثانيًا: اهتم القرآن بتوجيه المسلمين إلى مصادر الثروة المختلفة، سواء
منها ما اتصل بالصناعة أو الزراعة أو الصيد أو استخراج المعادن أو
البترول، وما سوى ذلك، قال تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع
للناس} [الحديد: 25]. وقال: {أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن
الزارعون} [الواقعة: 63 - 64]. وقال: {وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه
لحمًا طريًا وتستخرجوا حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من
فضله ولعلكم تشكرون} [النحل: 14].
ثالثًا: عرف الإسلام نظام الملكية العامة والملكية الخاصة، وبين أن هناك
أشياء لا يجوز أن يملكها الأفراد، وهي التي لا يستغني عنها فرد من أفراد
الدولة الإسلامية، وهذه الأشياء تختلف حسب البيئات والظروف، وقد أشار
الرسول ( إلى ثلاثة منها وهي: الماء والكلأ والنار، لأنها هي التي كانت
منتشرة في البيئة الصحراوية التي كانت في مهد الإسلام.
وهذه الأشياء الثلاثة يمكن أن يقاس عليها غيرها مما يشبهها، فقد جعل
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الأرض المفتوحة بالعراق ملكًا عامًّا
للدولة، واسترد الإمام علي والخليفة عمر بن عبد العزيز ما منحه الخلفاء
قبلهما كهبات لبعض الناس وتم إعادتها للملكية العامة، حتى يكون النفع بها
أعم للناس جميعًا، وليس مقصورًا على آحاد الناس.
وقد أقر الإسلام الملكية الفردية، وشجع عليها، وحرسها للمالك، واتفق بذلك
مع فطرة الإنسان وغريزته التي جُبِلت على حب التملك، ولم يقيدها إلا بأن
تكون من مصادر مشروعة، وأن تؤدي ما فيها من حقوق كالزكاة وغيرها، ويهدف
الإسلام من وراء ذلك إلى جعلها ملكية مقيدة وليست مطلقة، وجعلها وظيفة
اجتماعية يعود نفعها على المجتمع، وإلا تمَّ أخذها من ذلك الذي أساء
التصرف فيها، وأسندها
إلى من يديرها إدارة تناسب مصلحة المجتمع حتى يعود ذلك المسىء إلى الحق
والصواب.
رابعًا: يرفض الإسلام أن تكون الملكيات الكبيرة في أيدي فئة قليلة، إذا لم
يخرجوا منها حق الله؛ وذلك حتى لا تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء، قال
تعالى: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} [الحشر: 7].
خامسًا: أجاز الإسلام التفاوت بين الناس في الملكية على أساس التفاوت
بينهم في الجهد والعمل والمواهب. قال تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في
الرزق} [النحل: 71].
سادسًا: جعل الإسلام في مال الغني حقوقًا للفقير، قال تعالى: {وفي أموالهم
حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19].
سابعًا: أوجب الإسلام على الحكومة المسلمة أن تدافع عن الفقراء إذا حدث
لهم أي ظلم من جانب الأغنياء، وقد قاتل أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-
مانعي الزكاة لما في ذلك من مخالفة لحكم الإسلام وظلم للفقراء وهدم
لحقوقهم.
الجانب الاجتماعي في الحضارة الإسلامية
كانت البشرية قبل مجيء الرسول ( تعيش في ظلمات كثيرة، وتتخبط في الجهل،
وكثُرتْ الوثنية، ووصل عدد الآلهة التي تُعبد من دون الله إلى عدد لم
تعهده البشرية من قبل، وانتشرت المفاسد والشرور والمساوئ الأخلاقية، وشمل
الفساد كل بقاع الأرض، ثم شاء الله أن يرسل نورًا يزيل به ما على الأرض من
ظُلمة، فأشرقت شمس الإسلام، وتغيرت الموازين، ودبت الحياة في العالم.
وأقام الإسلام مجتمعًا متكاملاً، فبنى الفرد المسلم الصالح، فكان أساسًا
لبناء المجتمع المسلم الصالح المترابط الذي يسير على منهج الله سبحانه،
وكان لابد من تكوين مجتمع مسلم؛ ليحمل عبء هذه الدعوة مع الرسول (،
والدفاع عنها بعد موته، ونشرها في كل أرجاء الدنيا.
وقد انشغل الرسول ( في بداية الدعوة في مكة بتربية الفرد المسلم؛ كأساس
لبناء المجتمع المسلم، وقد تمثلت جوانب هذه التربية في عدة أمور، هي:
أولاً: تصحيح العقيدة:
أخرج الإسلام الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد القهار، وإلى
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره،
وأخرجهم من عبادة المادة إلى عبادة الله، وأراد تحريرهم من التخلف العقلي
والعقائدي، وترقيق مشاعرهم وأحاسيسهم، والسمو بها إلى أعلى منزلة، فوصل
هذا الإيمان إلى أعماق قلوبهم، وحوَّل هذا الإنسان من الدفاع عن قبيلته
وعشيرته إلى التفاني في سبيل الدفاع عن دينه وعقيدته، والعمل على نصر هذا
الدين، والحرص على نشره، وتبليغه للناس ابتغاء مرضاة الله.
فهذا الصحابي الجليل ربعي بن عامر يدخل على رستم -قائد الفرس- فلا يهتم
بالزخرفة والزينة التي تحيط به، فيقول له رستم: ما جاء بكم ؟! فيرد عليه
ربعي قائلاً: إن الله ابتعثنا لنخرج مَنْ شاء مِنْ عبادة العباد إلى عبادة
الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جوْر الأديان إلى عدل
الإسلام.
ثانيًا: السمو الخلقي، والتخلق بأخلاق القرآن:
كان كثير من العرب يفعلون الفواحش والمعاصي، وعندما جاء الإسلام ألبسهم
ثوب العفة والطهر، فغضوا أبصارهم، واستقبحوا الفواحش والمعاصي، وذلك بفضل
الضمير الحي الذي يراقب الله ويخشاه، والذي رباه القرآن في المسلم، فإذا
غلبه الشيطان والهوى ووقع في معصية، عاتبه ضميره، وسرعان ما يتوب، ويطلب
أن يقام عليه الحد إن كانت المعصية مما يوجب إقامة الحد.
وكان العربي يحمل السيف ويعتدي على غيره بسبب وبغير سبب، وكانت الحروب
تستمر بين العرب وبعضهم لفترات طويلة، فجاء الإسلام فحرَّم البغي
والعدوان، ونشر الأمن والسلام، فصار الناس رحماء بعد أن كانوا معتدين.
ثالثًا: التحاكم إلى الله ورسوله:
كان العرب يتحاكمون فيما بينهم إلى شرائع توارثوها عن آبائهم، واحتكموا
إليها بأهوائهم، فجاء الإسلام فأنهى تلك الفوضى، ورد الحكم إلى الله
سبحانه، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء: 65].
رابعًا: المسئولية الشخصية والولاء للدين:
أكد الإسلام على المسئولية الشخصية، واعتبرها أساس المسئولية في الإسلام،
وقد كان العربي -قبل الإسلام- يناصر قبيلته سواء كانت ظالمة أو مظلومة،
فلا يهمه هل هي على حق أم على باطل، فجاء الإسلام فعلَّم المسلم أن أساس
الحساب أمام الله هو المسئولية الشخصية، وعلَّم الإسلام الإنسان أن يكون
ولاؤه لدينه فقط، قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتول الله ورسوله والذين
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) [المائدة: 55 ـ 56] .
خامسًا: تكريم المرأة:
اعتنى الإسلام بالمرأة عناية كبيرة، ورفع مكانتها، وأعلى منزلتها، قال
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: والله لقد كنا في الجاهلية لا نعد النساء
شيئًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل.
مظاهر عناية الإسلام بالمرأة:
1- قضى الإسلام على صور الزواج التي كانت عندهم، ما عدا الصورة الصحيحة
التي عليها زواج الناس حتى الآن، لما في ذلك من تكريم للمرأة، وأنها ليست
متاعًا لكل من أراده.
2- حفظ الإسلام للمرأة مكانتها، فقد كانت تورث كما يورث المتاع، فكان
الابن الأكبر يرث نساء أبيه، كما يرث أنواع الميراث الأخرى، فجاء الإسلام
فحرَّم ذلك.
3- لم يكن للمرأة عندهم ميراث، فلا ترث البنت من أبيها ولا الزوجة من
زوجها، ولا الأم من ابنها، ففرض الله للمرأة ميراثًا، قال الله تعالى:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون مما قلَّ منه أو كثر نصيبا مفروضا) [النساء: 7].
4- نهى الإسلام عن وأد البنات، (أي قتلهن أحياءً)؛ خوفًا من أن يأتين
بالفقر أو بالعار.
5- منح الإسلام المرأة حق التعليم، فقد كان النساء على عهد رسول الله (
يذهبن إليه، ليسألنه في أمور الدين، وكن يسألن أمهات المؤمنين، وكان النبي
( يخطب العيد للرجال، ثم يذهب إلى النساء يخطب فيهن. وجعل الرسول ( طلب
العلم واجبًا في حق كل مسلم رجلاً كان أو امرأة. قال (: (طلب العلم فريضة
على كل مسلم)
[البخاري].
6- أجاز الإسلام للمرأة أن تعمل إذا فقدت من يعولها ويعول أولادها، أو مرض
هذا العائل، ولها ذرية ضعاف، لتنفق على نفسها وعلى أولادها، فإن لم تستطع
الخروج، كان على الدولة أن تتكفل بها وبعيالها، وتعمل كذلك إذا احتاج
المجتمع الإسلامي إلى عملها، إذ يصبح خروجها للعمل في هذه الحالة فرض عين
عليها لا يحل لها التخلف عنه.
7- وجعل الإسلام رضا المرأة شرطًا لصحة الزواج، فلا يستطيع أحد أن يجبر
المرأة على أن تتزوج بمن لا ترضاه. قال (: (لا تُنكح الأيِّم (الثيب) حتى
تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن) [البخاري].
8- ولم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة على أساس النوع، إنما التفاضل
بينهما فيما فضل الله به بعضهم على بعض، أما فيما دون ذلك، فالرجل والمرأة
سواء لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى:
{من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97].


مكانة المرأة في الحضارات الأخرى:
ولكي تظهر مكانة المرأة في الإسلام، فلننظر نظرة سريعة إلى مكانتها في
الحضارات الأخرى. كانت مصر هي البلد الوحيد الذي نالت فيه المرأة بعض
حقوقها قديمًا، إذ كان للمرأة أن تملك، وأن ترث، وأن تقوم على شئون الأسرة
في غيبة الزوج، ومع ذلك فقد كان الزوج هو السيد عليها، وكان ينظر إلى
المرأة على أنها وسيلة للتمتع الجسدي تفوق ما سواها من إمكانات بنَّاءة
خلقها الله في المرأة.
وكانت المرأة عند الصينيين لا قيمة لها، ويسمونها (بالمياه المؤلمة)، وهي
شَرٌّ في بيت الرجل يتخلص منه متى شاء، وإذا مات زوجها حبست في بيته
للخدمة كالحيوان. وكانت المرأة في الحضارة الإغريقية لا قيمة لها، لذلك
حبسوها في البيت خادمة للرجل، واعتبروها قاصرًا لا يحق لها التمتع بأي حق،
ونظروا إليها على أنها رجس من عمل الشيطان، وكانت تقدم قربانًا للآلهة
عند نزول المصائب بهم.
وكان الهنود القدماء ينظرون إلى المرأة على أنها مخلوق نجس، إذا مات عنها
زوجها حُرقت مع جثته بالنار، وكانت أحيانًا تدفن وهي حية، وإذا كانت زوجة
فللزوج أن يفعل بها ما يشاء من سَبٍّ وضرب وشتم وغير ذلك.
وكان حال المرأة عند الرومان كحالها عند اليونان، بل أقبح حالاً، فهي أداة
للإغواء، وهي تُباع وتُشترى، ولزوجها عليها السيادة المطلقة، وللزوج أن
يتزوج من النساء ما يشاء، وتتعرض لشتى أنواع التعذيب، وتكلَّف ما لا تطيق.
وفي بلاد الفرس، كانوا يذلون المرأة ويُعدونها سبب انتشار الفساد، ولذا
كانت تعيش تحت أنواع كثيرة من ظلم الناس، وتقع تحت سلطة الزوج المطلقة،
فله أن يحكم بقتلها، وأن يتزوج من النساء غيرها ما يشاء دون قيد أو شرط.
وكان اليهود يحمِّلون المرأة إثم إغواء آدم وإخراجه من الجنة، وهي عندهم
في المحيض نجسة، وكل ما تلمسه نجس، ولهم الحق في بيعها وحرمانها من
الميراث.
وكانت المرأة عند النصارى وسيلة الشيطان، ويجردونها من العقل، وهي منكر،
وكانت كنيسة روما تنفي وجود الروح في المرأة، وهي عندهم نجسة، وترتب على
ذلك التحذير من الزواج بها، فلجأت النساء للأديرة وحياة الرهبنة، وكان هذا
الوضع في العالم المسيحي حتى جاء عصر النهضة الحديثة.
وكانت المرأة عند العرب قبل الإسلام جزءًا من متاع الرجل وثروته، وتورث
كما يورث المتاع، والابن الأكبر يرث نساء أبيه، وليس لها ميراث، وفي حيضها
تعزل عن كل شيء؛ لأنها تعد نجسة، وإذا مات عنها زوجها تدخل في مكان منعزل
من البيت وتظل فيه عامًا كاملاً، لا تلبس إلا قديم الملابس، وكانت قمة
امتهانها تتمثل في البغاء ونكاح المتعة وغيرها، ومن أقبح العادات عند
العرب قديمًا قتل البنات وهن أحياء.



عدل سابقا من قبل تغريد مصطفى ابراهيم في الأربعاء أغسطس 18, 2010 11:47 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تغريد مصطفى ابراهيم
مشرف
مشرف
تغريد مصطفى ابراهيم


عدد الرسائل : 1204
العمر : 32
Localisation : egypt
تاريخ التسجيل : 02/09/2009

الحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحضارة الاسلامية   الحضارة الاسلامية Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 1:17 pm

سادسًا: المساواة بين الناس:
كان العربي يؤمن بنظام
الطبقات، وكانت نظرته للإنسان على أنه إما سيد وإما
عبد، وكان يؤمن
بالدم والنسب أساسًا للتفاضل بين الناس، فجاء الإسلام،
وألغى نظام
الطبقات، وجعل أساس التفاضل التقوى والعمل الصالح، قال تعالى:
{يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر أو أنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل
لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13].
وقال
النبي (: (يأيها الناس إن ربكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل

لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على
أحمر
إلا بالتقوى) [أحمد].
سابعًا: العالمية:
كان
العربي يعيش في الجزيرة العربية ضعيفًا يخاف قوة الفرس والروم، ويقبل
راضيًا
مختارًا أو كارها أن يعيش في منطقة خاضعة للفرس أو الروم، فكان
العربي
ينظر إليهم نظرة رهبة، وقد عَبَّر عن ذلك عبد الرحمن بن عوف -رضي
الله
عنه- قائلا: إنها الروم وبنو الأصفر حدُّ حديد، وركنٌ شديد.
وقد كانت
نظرة الفرس والروم للعرب نظرة احتقار وازدراء، وهذا ما عبر عنه
أحد
ملوك الفرس في الرسالة التي وجهها إلى جيش المثنى بن حارثة، قائد جيش
المسلمين
لغزو الفرس، قال فيها: إني قد بعثت إليكم جندًا من أهل فارس،
وإنما
هم رعاة الدجاج والخنازير، ولست أقاتلك إلا بهم.
فجاءه رد المثنى بن
حارثة: إنما أنت أحد رجلين، إما باغٍ فذلك شر لك وخير
لنا، وإما كاذب
فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وفي الناس الملوك،
وأما الذي
يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اضطررتم إليهم، فالحمد لله الذي رد
كيدكم
إلى رعاة الدجاج والخنازير، فانزعج الفرس من كتابه هذا انزعاجًا
شديدًا.
إن الإسلام جعل العرب ينطلقون شرقًا وغربًا، يفتحون البلاد لنشر
الإسلام
وتكوين الدولة الإسلامية العالمية.
التكافل الاجتماعي في الحضارة
الإسلامية
لقد وضع الإسلام نظامًا دقيقًا يحقق العدالة الاجتماعية بين
المسلمين،
ويشيع بينهم جوًّا من المحبة والمودة والرحمة والتعاون
والإيثار. والمال
من الأشياء الهامة التي لها دور رئيسي في تحقيق
التكافل الاجتماعي بين
المسلمين، والإسلام لا يحارب الغنى، ولا ينتقص
من ثروة الأغنياء، ما دامت
هذه الثروة قد جاءت بطريق مشروع وأُدي حق
الله فيها.
وهناك كثير من التشريعات المرتبطة بإنفاق المال، وكلها تعمل
على توثيق
التعاون والترابط والمودة والمحبة بين المسلمين، ومن هذه
التشريعات:
الزكاة، والصدقات، فالزكاة والصدقات يخرجها الرجل طهارة
لماله، وإحساسًا
بأخيه المسلم الفقير، ومعاونة له على مشاق الحياة
وإدخال السرور على قلبه،
فتتحقق المودة بين الفقير والغني، وتختفي
الأمراض القلبية من المجتمع من
حقد وحسد، ومنها الكفارات، فهناك
كفارات مالية، مثل كفارة اليمين، وكفارة
الظهار، وغيرهما.
ومن
الكفارات الإطعام الذي يوثق الحب والإخاء بين المسلم وأخيه، ومنها
الولائم
والهدايا والهبات والوصايا، وكلها أمور تقضي على الأنانية بين
الناس،
وتزيل الكراهية من النفوس، وتساعد على التعاون على البر والتقوى.
ومنها
كفالة اليتيم ورعاية الأرامل، فهذا اليتيم ليس له أحد يرعاه بعد فقد

والديه إلا المجتمع المسلم والحاكم المسلم، فإذا نشأ هذا اليتيم في أحضان
هذا المجتمع، ووجد من يرعاه ويتولاه حتى يقوى على رعاية نفسه؛ نشأ على حب
هذا المجتمع، والتفاني من أجله، مستعدًّا للموت في سبيل الدفاع عنه
والأرملة
إذا وجدت من يرعاها ويتكفلها؛ أحبت مجتمعها، وشكرت الأيدي التي
امتدت
لها، وكان ذلك صيانة لها من الانحراف.
وهناك أمور أخرى كثيرة، مثل
الوقف والقرض والعارية، تحقق التكافل بين
أفراد المجتمع المسلم،
فالرجل الذي يوقف ماله لبناء مسجد أو مستشفي أو
مدرسة، أو يوقفه
لمساعدة أقربائه، إنما يحب مجتمعه ويضحي من أجله، ويحبه
الناس
ويذكرونه بالخير، وهذا المقرِضُ الذي يُقْرِض أخاه المحتاج ويعينه،
ويساعده
إنما يفرج عنه كُربة من كُرب الدنيا، وهذا الذي يُعير أخاه ما
يحتاجه،
ثم يسترده بعد الانتفاع به، إنما يشيع بينه وبين إخوانه المحبة
والتعاون
والإيثار.
حرص الشريعة على سلامة المجتمع وطهارته
أكد الإسلام حرصه
على سلامة المجتمع وطهارته ورقيه، وقد ظهر ذلك واضحًا من
خلال بعض
التشريعات الاجتماعية والأخلاقية، مثل:
- المعاملات:
أحلَّ الإسلام
البيع، وفصَّل أحكامه وشروطه وأركانه، والحلال منه والحرام،
فأحل منه
ما كان المجتمع محتاجًا إليه وفيه نفعهم، وحرَّم ما كان ظلمًا
وأكلاً
لأموال الناس بالباطل، كما حرَّم الإسلام الربا لما فيه من أخطار
ومضار
كثيرة، فهو يسبب العداوة بين الناس، ويقضي على التعاون فيما بينهم،
ويؤدي
إلى وجود طبقة لا عمل لها إلا أن يتزايد مالها على حساب الآخرين.
ومجَّد
الإسلام العمل وحث عليه؛ لأنه وسيلة لإعمار الكون ورخاء الأمة، كما

حث على القرض الحسن لمن احتاج إلى المال، وعمل على حفظ الدَّين بكتابته
والإشهاد
عليه، وحث المقترض على رد دينه، وأمر بضرورة الوفاء بالعهد
واحترام
العقود، كما أوجب الإسلام ضرورة إبداء شهادة الحق وعدم كتمانها،
وحرم
قول الزور، وحرَّم الغش في الكيل والميزان، وأمر بالعدل، وحث عليه،
وجعله
أساسًا من أسس الحكم في الإسلام، لما له من أثر في راحة الناس
واطمئنانهم
على حقوقهم.
- الحدود والقصاص:
لقد حرَّم الإسلام الإفساد في الأرض
كسفك الدماء، وسرقة المال وغصبه،
وانتهاك الأعراض، وقذف المحصنات،
وقطع الطريق، وغيرها كثير، فجاءت الحدود
الإسلامية لتكون مانعًا من
ارتكاب هذا الفساد، وصونًا للمجتمع، فكان
للسرقة حد هو قطع اليد،
وللزنا حد هو الجلد مائة جلدة وتغريب عام من البلد
إن كان غير متزوج،
وإن كان متزوجًا فالرجم حتى الموت، وحد القتل العمد هو
القصاص وهو قتل
القاتل، إلا أن يرضى أهل القتيل بالدية فيأخذونها ويعفى
عن القاتل،
أو ما اصطلحوا عليه.
ولا تقام الحدود إلا بالبينة والتثبت، والأصل أن
تلغى الحدود بالشبهات،
ومن الأمور المقررة أن القاضي إن أخطأ في العفو
خير له من أن يخطئ في
العقوبة، كما أن إقامة الحدود من مسئولية
الحاكم المسلم، وليس للأفراد
إقامة الحدود إلا من ينيبه الحاكم منهم
في إقامة الحد، فإن أقام الحد أحد
الناس من تلقاء نفسه؛ عُزِّر لتعديه
على حق من حقوق الحاكم، وحتى لا تعم
الفوضى في البلاد، وتعزيره موكول
للحاكم في حدود التعزير الذي قرره الشرع.
كما أن الحدود تقام في ميدان
عام يراها الناس، حتى يرتدع من يفكر فيما
يوجب عليه حدًّا، ولنا في
عهد الرسول ( العبرة والعظة، فلم تقم الحدود في
عهده إلا ست مرات،
نظرًا لتشبع القلوب والنفوس بقيم الإسلام وتعاليمه.
- الآداب
الاجتماعية:
جاء الإسلام بآداب كثيرة ومتنوعة تحقق سلامة بنيان المجتمع
المسلم، وتسهم
في ترابطه وتعاونه مثل: إفشاء السلام، وصلة الرحم، وبر
الوالدين،
والأخوَّة، والتزاور، والإصلاح بين الناس، والتواضع، والنصح
للمسلمين.
وحرَّم الإسلام أشياء لما لها من أثر سيئ في تفكك المجتمع
وتنافره
وانحلاله، مثل: الغيبة والنميمة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين،
والاعتداء
على الآخرين، والغش، والكذب، والخيانة، وشهادة الزور،
والظلم، إلى آخر هذه
الأمور المنهي عنها في كتاب الله وسنة رسوله (.


أسس
بناء الدولة الإسلامية الأولي في المدينة
إن أول مجتمع إسلامي تكوَّن
وتربى على الإسلام هو ذلك المجتمع الذي رباه
الرسول الكريم (، وهو
المجتمع المثالي لأي مجتمع، وقد أقامه الرسول ( على
عدة أسس، هي:
بناء
المسجد:
لقد كان أول شيء قام به الرسول ( بعد قدومه إلى المدينة
المنورة هو بناء
المسجد، وقد كان للمسجد أثره الكبير في إقامة المجتمع
الإسلامي على آداب
الإسلام وتعاليمه، فلم يكن المسجد مكانًا لأداء
الصلاة فقط، وإنما كان
مكانًا للتربية وللعلم وللقيادة وللحكم
وللمناسبات الإسلامية. فقد كان
الرسول ( يعلم المسلمين في المسجد
أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه.
وكان ( يقضي بين الناس في المسجد،
وكانت تُعقد فيه ألوية الحرب وتوجيه
الرسل إلى الملوك، وإدارة شئون
الدولة الإسلامية، وكان المسجد مكانًا
لعلاج المرضى وإسعافهم سواء في
وقت السلم أو الحرب، وهكذا يظهر دور المسجد
في بناء الدولة الإسلامية
وحضارتها.
المؤاخاة بين المسلمين:
لقد كان الأساس الذي أرساه الرسول
( لبناء المجتمع الإسلامي في المدينة،
بعد بناء المسجد هو المؤاخاة
بين المسلمين، وهو عمل بدأه بين مسلمي مكة
قبل الهجرة.
ولم يكن
المهاجرون يملكون شيئًا بعد أن هاجروا إلى المدينة، فقد تركوا
أموالهم
وأولادهم في مكة، فآخى الرسول ( بين المهاجرين والأنصار، وقامت
المؤاخاة
على أسس مادية كالمشاركة في المال والثروة والتوارث فيها،
بالإضافة
للأسس المعنوية كالولاء والمناصرة، وظل هذا التوارث بسبب
المؤاخاة
قائمًا حتى غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة، عندما نزل
قوله
تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل
شيء
عليم} [الأنفال: 75] فأصبح التوارث بسبب القرابة والرحم.
وقد أحب
الأنصار المهاجرين حبًّا شديدًا، وآثروهم على أنفسهم، فأثنى الله
عليهم،
قال تعالى: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
إليهم
ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم

خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 6]. وهذه المحبة التي
قامت بين المسلمين كانت نعمة من الله عليهم، فقد جعلت المسلمين أسرة
واحدة،
ومجتمعًا واحدًا.
المعاهدة بين المسلمين وغيرهم:
أصبح سكان المدينة
بعد المؤاخاة بين المسلمين جماعتين فقط: جماعة
المسلمين، وجماعة غير
المسلمين وأغلبهم من اليهود، فوضع الرسول ( دستورًا
وميثاقًا للعلاقة
بين المسلمين وغيرهم، وكانت هذه المعاهدة من أعظم
المظاهر الحضارية في
الحياة السياسية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام
لبيان الحقوق
والواجبات التي على المسلمين وعلى غيرهم بصورة لم تعهدها شبه
الجزيرة
من قبل.
الرسول ( القدوة:
كان الرسول ( هو قائد المجتمع المسلم، وهو
الحاكم القدوة، فكان الرسول (
يستشير أصحابه في كثير من الأمور،
وكان يلتزم الشورى في كل أمر لم ينزل
فيه وحي من عند الله، حتى قال
أبوهريرة -رضي الله عنه-: (ما رأيت أحدًا
أكثر مشورة لأصحابه من رسول
الله () [الترمذي].
وكان ( يمازح أصحابه ويداعبهم ويخالطهم، ويجيب دعوة
الحر والعبد، ويبدأ من
لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ويقبل
عذر المعتذر، وكان يرقع
ثوبه، ويخصف نعله، ويساعد أهل بيته،.... إلى
آخر صفاته الكريمة (.
وقد نزل القرآن آمرًا الصحابة بالاقتداء بالرسول
(، قال تعالى: {لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الآخر وذكر الله
كثيرًا} [الأحزاب: 21].
ومن هنا اقتدى
الصحابة بالرسول (، وبذلك تربى المجتمع الإسلامي الجديد على
القيم
والأخلاق، وبهذه الأسس الراسخة، وتلك القواعد الثابتة والقيم
السامية
والأخلاق الرفيعة، جاءت حضارة الإسلام، فأخرجت للعالم خير أمة
أخرجت
للناس.
الأسرة في الحضارة الإسلامية
الأسرة هي الدرع الحصينة التي
تحمي صاحبها، ولا يكون الإنسان قويًّا
عزيزًا إلا إذا كان في أسرة
تحصنه. والأسرة التي ينشدها الشرع هي الأسرة
الملتزمة بأوامر الله،
والتي تكون نواة للمجتمع الملتزم بمنهج الله وشرعه.
الزواج أساس تكوين
الأسرة المسلمة:
الزواج هو الطريق الشرعي الصحيح لتكوين الأسرة
المسلمة، وقد حث الإسلام
على الزواج وشجع عليه، قال تعالى: {ومن آياته
أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة
إن في ذلك لآيات لقوم
يتفكرون}
[الروم: 21].
وقال الرسول (: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة

فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) [متفق عليه].
وللزواج
فوائد كثيرة أهمها:
- أنه وسيلة مشروعة للمحافظة على بقاء النسل إلى
أن يرث الله الأرض ومن
عليها.
- المحافظة على الأنساب من الاختلاط،
بسبب ما يترتب على النسب من حقوق
وقواعد كالميراث، ومعرفة المحارم
وغير ذلك.
- المحافظة على المجتمع من شيوع البغاء والزنى واللواط.. تلك
الأمراض التي
تهدم المجتمع.
- الزواج مسايرة للفطرة وعدم الانحراف
عنها.
وسوف يؤدي الزواج ثماره المرجوة إذا توافرت فيه النية الصادقة،
والقدرة
على نفقات الزواج. فالمسلم يبغي من زواجه أن يعف نفسه، ويحصن
فرجه، ويكثر
أعداد المسلمين، فعلى المسلم أن يصحح نيته في ذلك، فقد
قال النبي (: (إن
في بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله، أيقضي
أحدنا شهوته، ويكون له
بها أجر؟). قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان
عليه وزر؟). قالوا: نعم.
قال: (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له
أجر) [مسلم وأبوداود].
ولقد وضع الإسلام كثيرًا من الضوابط، حتى يحقق
الزواج ثمرته المرجوة، وهذه
الضوابط هي:
الخطبة قبل الزواج:
والخطبة
مجرد وعد بالتزويج، وقد أباح الشرع الحنيف لمن يريد الزواج من
امرأة
أن ينظر إليها، حتى يكون على بصيرة من أمره، إن كان ينظر إليها بقصد

الخطبة، قال رسول الله (: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)
[الترمذي
والنسائي وابن ماجه]. إلا أن الخطبة لا تحل حرامًا كان قبلها،
فما
يزال كلا الخاطبين أجنبيًّا، فلا يجوز للرجل أن يخلو بمخطوبته، أو
يخرج
معها دون محرم، ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه.
فعن أبي هريرة
أن رسول الله ( قال: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك
الخاطب
قبله أو يأذن له الخاطب) [الجماعة]. أما إذا تقدم الرجل لخطبة
امرأة،
ولم يرد أهلها عليه، وتقدم غيره بدون علم؛ فقبلوا الثاني، فلا حرمة
في
ذلك. ويستحب إخفاء الخطبة، وذلك خشية إفساد المفسدين، أو ربما لا يوفق
الله بينهما، ويترك كل منهما الآخر، فيسبب ذلك حرجًا للمخطوبة، بخلاف
العقد،
فإنه يجب فيه الإشهار والإشهاد.
اختيار الزوجة:
حثَّ الإسلام الشاب
على أن يختار زوجته ممن تتوفر فيها عدة شروط، وهي:
الدين: فقد كان
النبي ( يحث على اختيار ذات الدين الملتزمة بتعاليم
الإسلام وآدابه،
قال (: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها، وجمالها،
ولدينها، فاظفر
بذات الدين) [الجماعة].
حسن الخلق: وذلك لأنه لا يخفى على الإنسان أن
بعض الصفات تنتقل إلى
الأبناء بالوراثة، وكذلك بالتربية، فالبيت
الملتزم يربي أبناءه على
الالتزام والقيم الأخلاقية والطاعة.
البكر:
فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن الرسول ( قال له:
(تزوجت
يا جابر؟). فقلت: نعم. قال: (أبكرًا أم ثيبًا ؟). قلت: بل ثيبًا.
قال:
(فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك). فقلت له: إن عبد
الله
(والد جابر) هلك وترك تسع بنات، وإني كرهتُ أن أجيئهن بمثلهن،
فأحببتُ
أن أجيء بامرأة تقوم عليهن، وتصلحهنَّ). فقال (: (بارك الله لك)
[متفق
عليه]. وإن كان الإسلام قد دعا إلى الزواج من البكر، فإنه لم يوجب
ذلك،
وقد تُفَضَّل المرأة الثيب على البكر أحيانًا كما ورد في حديث جابر
السابق.
الولود:
لقول الرسول (: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)
[أبو
داود والنسائي]. ومن عظمة الإسلام ورحمته، أنه إذا كان قد أمر
بالزواج
بالودود الولود، فإنه أمر بالإحسان من سواها، إذ لا ذنب لها في
قَدَر
قدَّره الله عليها، وربما كان لها من الخلق والقدرات والمواهب ما
يفوق
ما حرمت منه.
اختيار الزوج:
وكما وضع الإسلام للرجل أسسًا يختار
على أساسها الزوجة، فإنه وضع أيضًا
للمرأة أسسًا تختار على أساسها
زوجها، فلابد أن يتوفر في الرجل جميع ما
يجب توفره في المرأة، دون
تفرقة بينهما، فينبغي أن تتوفر فيه الصفات
التالية:
- أن يكون
رجلاً ذا دين.
- أن يكون أمينًا ذا خلق.
- أن يكون قادرًا على تحمل
المسئولية.
وهذه الصفات معلومة من حديث الرسول (: (إذا جاءكم من ترضون
دينه وخلقه،
فزوجوه، إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد)
[الترمذي].
ويستحب أن يكون الزوج متقاربًا في السن مع الزوجة، فقد خطب
أبو بكر وعمر،
-رضي الله عنهما- فاطمة، فقال الرسول (: (إنها صغيرة)،
فخطبها علي، فزوجها
له. [النسائي].


حقوق الزوج على زوجته:
ولكي
تدوم المودة بين الزوجين، ومن أجل الحفاظ على الأسرة المسلمة، جعل
الشرع
الحنيف لكل من الزوجين حقوقًا على الآخر يؤديها إليه في رضا وسعادة،

وحقوق الزوج على زوجته هي:
- الطاعة: فيجب على المرأة المسلمة أن تطيع
زوجها فيما يأمرها به سرًّا
وعلانية، ما لم يأمرها بمعصية، فلا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق. وقد سئل
النبي (: (أي النساء أفضل؟ فقال (:
(التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا
نظر) [أحمد].
- إجابة دعوة
الزوج لها إلى الفراش في أي وقت، فإذا دعا الزوج زوجته إلى
فراشه فلم
تجبه، غضب الله عليها.
- ألاَّ تصوم صوم تطوع إلا بإذنه، قال رسول الله
(: (لا يحل للمرأة أن
تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته
إلا بإذنه) [البخاري].
- المحافظة على مال زوجها وعدم الإسراف فيه:
لقول الرسول (: (إذا أنفقت
المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها
أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره
بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص
بعضهم أجر بعض شيئًا) [مسلم].
- تربية الأولاد تربية إسلامية وتنشئتهم
على الأخلاق الفاضلة، قال (:
(كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته،
فالإمام راعٍ وهو مسئولٌ عن رعيته،
والرجل راعٍ على أهله وهو مسئول عن
رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها
وهي مسئولة عن رعيتها)
[البخاري].
- التزين والتجمل: فمن حق الزوج على زوجته أن تتزين وتتجمل
له.
وهناك، حقوق كثيرة، منها الوفاء للزوج، واحترام مشاعره، وشكر
جميله، وحسن
معاشرة أهله، والحداد عليه بعد وفاته، وإعانته على فعل
الخيرات والطاعات
من صيام وقيام وبر والديه، قال (: (رحم الله امرأة
قامت من الليل فصلَّتْ
وأيقظتْ زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
[أبو داود]. وغير ذلك.
حقوق الزوجة على زوجها:
وكما أن للرجل حقوقًا
على زوجته، فإن لها -أيضًا- حقوقًا على زوجها، وهذه
الحقوق منها حقوق
مالية وحقوق غير مالية، ومن هذه الحقوق ما يلي:
- المهر: وهو حق خالص
للزوجة، وهذا المهر لا حد لكثرته أو قلته إلا أنه
تكره المغالاة في
المهور، قال (: (إن أعظم النكاح بركة، أيسره مئونة)
[أحمد].
-
النفقة: والمقصود بها أن يوفر الزوج لزوجته من الطعام والمسكن والدواء،
وإن
كانت غنية.
- حسن معاشرتها، فإن أول ما يجب على الزوج لزوجته أن
يعاشرها معاشرة حسنة،
وأن يكرمها على قدر ما يستطيع، وأن يقدم إليها
ما يؤلف قلبها ويقوي رابطة
المحبة بينهما.
ومن مظاهر كمال أخلاق
المسلم أن يكون رفيقًا مع أهله، يقول الرسول (:
(أكمل المؤمنين
إيمانًا، أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا)
[الترمذي].
ومن
إكرام المرأة تحمُّل ما يصدر منها، قال رسول الله (: (استوصوا بالنساء
خيرًا، فإنهن خُلِقنَ من ضِلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه،
فإن
ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)
[البخاري].
ومن حسن معاشرتها إدخال السرور عليها؛ لأن ذلك يولد الحب،
ويشيع في
الأسرة المسلمة جوًّا من المودة والرحمة، وقد كان الرسول ( يداعب

أهله، ويسابق السيدة عائشة -رضي الله عنها-.
- صيانتها والحفاظ عليها
من كل ما يخدش كرامتها، وينبغي أن يكون الرجل
معتدلاً في غيرته على
أهله؛ حتى لا تفسد الحياة الزوجية وتتحول إلى عذاب،
وتضيع الثقة بين
الزوج وزوجته وتستحيل الحياة بينهما.
- تعليمها أحكام دينها، وتحذيرها
من المعصية، قال تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارًا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6].
- ألاَّ يفشي سرها،، وذلك
لقول الرسول (: (إن من أشر الناس عند الله منزلة
يوم القيامة الرجل
يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها) [مسلم].
- عدم الإضرار بها
في أي أمر من الأمور.
- ألا يدخل الرجل على أهله ليلا إذا أطال الغيبة،
كأن يكون في سفر، إلا
إذا أعلمها، وهذا من أسمى الآداب الإسلامية في
معاملة الرجل لزوجته، وهو
أدعى لاحترام مشاعر الزوجة، والثقة
المتبادلة، وأدعى لدوام الحب والعلاقة
الحسنة بينهما، قال رسول الله (:
(إذا أطال أحدكم غيبته، فلا يطرق أهله
ليلاً) [البخاري].
- العدل
بين الزوجات إن كان الزوج متزوجًا بأكثر من واحدة، قال (: (إذا
كان
عند الرجل امرأتان، فلم يعدل بينهما؛ جاء يوم القيامة وشقه ساقط)
[الترمذي].
الحقوق المشتركة بين الزوج وزوجته :
-حق العشرة الزوجية
واستمتاع كل من الزوجين بالآخر، فيحل للرجل من زوجته
ما يحل لها منه.
-
حرمة المصاهرة؛ أي أن الزوجة تحرُم على أب الزوج وأجداده وأبنائه، وفروع
أبنائه وبناته، كما يحرم الزوج على أمها وبناتها، كما يحرم عليه عمتها
وخالتها
ما دامت في عصمته.
- ثبوت حق التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد، فإذا
مات أحدهما بعد إتمام
العقد ورثه الآخر، وإن لم يكن قد دخل بها.
-
ثبوت نسب الولد من صاحب الفراش.
تعدد الزوجات:
تعدد الزوجات ليس
ظلمًا للمرأة، بل هو عدل ومراعاة لعادات وطباع كثير من
الناس، فقد كان
معروفًا في اليونان، وكانوا يبيحون تعدد الزوجات بلا حساب،
وأباحه
بعض البابوات لبعض ملوك النصارى بعد الإسلام، (مثل شارلمان) ملك
فرنسا
الذي كان معاصرًا للخليفتين المهدي والرشيد. وقد اختلفت عادات الناس

في تعدد الزوجات، ولم يشذ عن إباحة التعدد إلا الأوربيون، واستبدلوا
بتعدد
الزوجات الشرعية، السفاح واتخاذ الأخدان.
يقول الفيلسوف الإنجليزي
(سبنسر): إن الزوجات كانت تباع في إنجلترا فيما
بين القرنين الخامس
والحادي عشر، وإنه حدث أخيرًا في القرن الحادي عشر أن
المحاكم الكنسية
سنَّت قانونًا ينص على أن للزوج أن ينقل أو يعير زوجته
إلى رجل آخر
لمدة محدودة حسبما يشاء الرجل المنقولة إليه، وشر من ذلك ما
كان
للشريف الحاكم من الحق في الاستمتاع بزوجة الفلاح عند عقده عليها
أربعة
وعشرين ساعة. هذا إلى غير ما كان في هذه الفترة من أحكام وقرارات
جائرة
ظالمة للمرأة وكرامتها، فأين هذا من تكريم الإسلام وحضارته السامية
للمرأة،
واحترامه لها ولكرامتها وحيائها وآدميتها!!
أما بالنسبة لتعدد الزوجات
في الإسلام، فإنه لم يترك هذا الأمر هكذا، بل
قيده بعدد محدد وهو
أربع زوجات، وبالقدرة على القيام بحقهن، وقيده بقيد
أهم، وهو العدل
بين الزوجات، فإن لم يستطع الرجل أن يعدل فواحدة، والإسلام
لم يوجب
التعدد، وإنما أباحه لأمور كثيرة منها:
- استحالة العشرة بين الزوجين،
فيتزوج الرجل وترضى زوجته بأن تعيش مع
ضرتها، ولا ترضى بالطلاق.
-
عقم الزوجة، فيضطر الزوج إلى الزواج بأخرى رغبة في الولد.
- في حالات
الحرب حيث يكثر النساء، فيتزوج الرجل بأكثر من زوجة، حتى لا
تكثر
العوانس في المجتمع، ويؤدي ذلك إلى الرذيلة.
- قد يكون الرجل ممن لا
يصبرون عن النساء، والمرأة في حالة حيضها ونفاسها
ومرضها لا يحل للرجل
أن يأتيها مما قد يعرضه للوقوع في الفاحشة، فكان
الأحسن والأليق
بحاله أن يباح له الزواج بأخرى دفعًا للمضرة، والإسلام
حينما أباح
التعدد إنما أباحه لهذه الضرورات وغيرها مما يرفع عن المسلمين
الحرج.
والخلاصة أن الإسلام أتى في هذه المسألة بالكمال الذي لابد أن
يعترف
به دعاة المدنية الغربية وغيرهم مهما طال عنادهم.



تربـية
الأبناء في الحضارة الإسلامية
الأبناء نعمة من الله تعالى تستحق الشكر،
وشكر نعمة الله في الأولاد يكون
بتربيتهم تربية إسلامية صحيحة على
المبادئ والأخلاق والقيم، قال (: (ما من
مولود إلا يولد على الفطرة،
فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)
[البخاري].
حقوق
الأبناء على الآباء:
اهتم الإسلام بتربية الأبناء اهتمامًا كبيرًا،
وجعل على الآباء لأبنائهم
حقوقًا، كما جعل للآباء على أبنائهم حقوقًا،
وهذه الحقوق هي:
- اختيار الأم الصالحة: فينبغي أن يختار الأب لأبنائه
أمًّا صالحة تقوم
على تربية أبنائه تربية صحيحة، بحيث يكون هؤلاء
الأبناء قادرين عل حمل
أمانة الإسلام، والوصول بها إلى غايتها،
والدفاع عنها.
- دفع الضرر عنه، وله صور منها: التأذين في أذن المولود
اليمنى وإقامة
الصلاة في أذنه اليسرى. فعن أبي رافع عن أبيه قال:
(رأيت رسول الله (،
أذَّن في أذن الحسن بن علي -حين ولدته فاطمة-
بالصلاة) [أبو داود
والترمذي]. هذا سوى ما يجب على الوالد من الدفاع عن
ولده وحمايته من أي
خطر قد يتعرض له في دينه أو دنياه.
- تسميته
اسمًا حسنًا حين ولادته، وقد بين رسول الله ( أن أحسن الأسماء
عبد
الله، وعبد الرحمن، حيث قال: (إن أحسن أسمائكم إلى الله
عبد الله، وعبد
الرحمن) [مسلم].
وحذر الإنسان من أن يختار لابنه اسمًا قبيحًا،
فالإنسان يتضرر بالاسم
القبيح ويتأذى به، كما أنه يستبشر بالاسم
الحسن؛ ولما في ذلك من اقتداء
بالأنبياء والصالحين.
- شرع الإسلام
العقيقة عن الولد يوم السابع من ولادته إن تيسر ذلك، ويُذبح
عن الولد
شاتان، وشاة عن البنت، ويدعي إليها الفقراء والمساكين والأقارب
والصالحون
والأصدقاء، وذلك لزيادة الترابط بين المسلمين، وزيادة المحبة
والأخوة،
ودفعًا للأذى عن هذا الطفل، ويُسَنُّ حلق شعره قبل العقيقة.
- ختان
المولود: لقول رسول الله (: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف

الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب) [البخاري]. ويختن الطفل قبل بلوغه
السابعة.
-
النفقة والواجبات المالية: النفقة واجبة على الأب لأبنائه ذكورًا كانوا
أو
إناثًا ما داموا في كفالته، وذلك حتى لا يتركهم يتعرضون للضياع
والانحراف،
قال رسول الله (: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول)
[أبوداود].
-
العدل بين الأولاد، فتفضيل بعض الأبناء على بعض يؤدي إلى إثارة الحقد
والحسد
والبغض؛ مما يضر بالترابط الأسري، الذي صانه الإسلام، وحافظ عليه
بكل
السبل.
- حق التربية والتعليم، فتربية الأبناء تربية سليمة أمانة في
عنق
الوالدين، قال رسول الله (: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه،
حفظ أم
ضيع) [الترمذي].
حقوق الآباء على الأبناء:
فرض الإسلام
على الأبناء طاعة الوالدين، والإحسان إليهما، وحسن صحبتهما،
قال
تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن
عندك
الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً
كريمًا.
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني
صغيرًا}
[الإسراء: 23-24]. وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين، فقال: ألا

تقوم إلى خدمتهما وأنت كسلان. وقيل: ألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر
إليهما
شزرًا (باحتقار)، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن، وأن تترحم
عليهما
ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا.
ونهى الإسلام عن عقوق الوالدين، قال
رسول الله (: (ألا أخبركم بأكبر
الكبائر: الإشراك بالله وعقوق
الوالدين) [الترمذي].
ومن تكريم الإسلام للأم، واعترافًا بمكانتها
ودورها أن جعل حقها في البر
أكبر من حق الأب، فقد جاء رجلٌ إلى رسول
الله ( يسأله: يا رسول الله: من
أَبِرُّ ؟ قال: (أمك)، قال: ثم من ؟
قال: (أمك)قال: ثم من؟ قال: (أمك)،
قال: ثم من؟ قال (أباك، ثم الأقرب
فالأقرب) [الترمذي].
الترويح في الأسرة المسلمة
الأسرة المسلمة تروح
عن نفسها باللعب واللهو المباح، فقد سابق النبي (
السيدة عائشة
فسبقته، فسابقها مرة أخرى فسبقها، وقال لها: (هذه بتلك) [أبو
داود].
وكان
( يداعبها، ويقول لها: (إني لأعلم إذا كنت عليَّ راضية، وإذا كنت
عليَّ
غضْبى؟). قالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: (إذا كنت عليَّ راضية قلت:
لا
ورب محمد، وإذا كنت على غضبى قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: أجل والله،
ما
أهجر إلا اسمك. [متفق عليه].
وقدم وفد الحبشة على رسول الله (، فقاموا
يلعبون في المسجد، وروت ذلك
السيدة عائشة، فقالت: (فرأيت رسول الله
يسترني بردائه، وأنا أنظر حتى أكون
أنا التي أسأم) [البخاري] .
وكانت
جاريتان تلعبان في المسجد، وعائشة -رضي الله عنها- تنظر من فوق كتف
رسول
الله (، فقال (: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني بعثت بحنيفية
سمحة)
[البخاري].
ويقول حنظلة بن الربيع-رضي الله عنه- كنا عند رسول الله (،
فوعظنا فذكر
النار، ثم قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت
المرأة.
فخرجت فلقيت أبا بكر؛ فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما
تذكر.
فلقينا رسول الله (. فقلت: يا رسول الله، نافق حنظلة، فقال: (مه
(أي:
اسكتْ))، فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل،
فقال:
(يا حنظلة، ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر،
لصافحتكم
الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق) [مسلم]. ومن اللهو المباح
أيضًا
في الأسرة المسلمة ما يحدث في حفلة العرس من ضرب بالدف، وإنشاد
الأناشيد
الإسلامية التي تحث على مكارم الأخلاق، كما في ذلك من إدخال
السرور
على الزوجين.
رعاية الإسلام لأقارب الزوجين
إن حرص الإسلام على
الأسرة لم يقصره على الزوجين والأبناء، بل جعله عامًّا
لكل ذي رحم.
وأقارب الزوجين أهل للأسرة الناشئة، فأم الزوج في مقام أم
الزوجة، وأم
الزوجة في مقام أم الزوج، لذلك حث الإسلام الزوج على البر
بأهل
الزوجة، وحث الزوجة على البر بأهل زوجها، وذلك التواد والتراحم ينمي
قوة
الترابط والتماسك الأسري. هذه هي بعض أسس الحضارة الإسلامية في مجال
الأسرة
المسلمة، التي تميزت به عن غيرها من الحضارات.
وإذا نظرنا إلى الأسرة
في مدنيَّة الغرب المعاصرة نظرة سريعة، وجدنا هذه
المدنية لا تحافظ
على قدسية الأسرة وسلامتها كما حافظ عليها الإسلام،
وحاطها بسياج من
العفة والطهارة، فتشيع عندهم الفاحشة، ويكثر أولاد البغاء
والزنى.
ومما
يُحزن القلب أن المسلمين في ظل ضعفهم الحضاري تلقوا تعاليم الغربيين،
ونظرياتهم في كثير من الأمور والأنظمة، فتعرض نظام الأسرة في المجتمعات
الإسلامية
لخطر التفكك والانحلال الذي ظهرت عواقبه السيئة، في سلوك كثير
من
الشباب، وتنكر كثير منهم لتعاليم دينهم، وظهرت في حياة كثير من أسر
المسلمين
سلوكيات لا تتفق مع قيم الإسلام، وتناقض ما جاءت به الحضارة
الإسلامية
من مبادئ سامية في مجال الأسرة المسلمة، في الوقت الذي بدأ فيه
الغربيون
وأعداء الإسلام يأخذون بنظم الإسلام في مجال الأسرة لما رأوا فيه
من
الخير لبناء المجتمع وتماسكه.
لجانب العلمي
أنزل
الله -عز وجل- أول آية من كتاب الله تعالى تحث المسلمين وتحضهم على
العلم
والتعلم، قال تعالى: {أقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق.
اقرأ
وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق:
1-5].
وقد رفع الله -عز وجل- قدر العلماء حيث قال: {يرفع الله الذين آمنوا

منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 17]. وقال الرسول ( مبينًا
أهمية
العلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [مسلم وابن ماجه].
وعندما أُسر
المشركون في بدر، جعل الرسول ( فداء كل واحدٍ منهم أن يعلم
عشرة من
الصحابة، وقد نشط المسلمون في جميع العصور في طلب العلم والمعرفة
حتى
تركوا لنا ميراثًا حضاريًّا رائعًا، يعبر عن تفوقهم في كل مجالات
الحضارة.
وهناك وسائل عني بها الإسلام لاكتساب العلوم منها:
المساجد:
فهي
أهم المنارات التي أضاءت للمسلمين طريق العلم والمعرفة، فكان أول شيء
قام
به الرسول ( بعد هجرته إلى المدينة بناء المسجد، مما يدل على أهميته
في
حياة المسلمين، وليعلموا أن المسجد هو أول خطوة في بناء الحضارة وتحقيق
الازدهار والتقدم، فكان المسجد مكانًا لاجتماع المسلمين مع الرسول (
يسألونه
ويجيبهم، ويتناقشون في أمور دينهم ودنياهم، وتقام فيه حلقات الذكر،

ويجلس المسلمون صغارًا وكبارًا ليتعلموا القرآن وأمور الإسلام.
ومن أهم
المساجد التي أسهمت في بناء الحضارة الإسلامية: المسجد الحرام في
مكة،
والمسجد النبوي في المدينة، والمسجد الأقصى في القدس، والمسجد الأموي
في دمشق، ومسجد عمرو بن العاص، والجامع الأزهر في مصر، ومسجد القيروان في
تونس، ومساجد أخرى كثيرة خرَّجت لنا أجيالاً مسلمة واعية استخدمت العلم
في
خدمة الإسلام ورفع شأن حضارة المسلمين، ومن هنا ارتبطت نهضة الحضارة
الإسلامية،
بقيام المساجد بدورها على الوجه الأكمل.
الكتاتيب:
والكُتَّاب
عبارة عن مكتب تعليمي، يتعلم فيه أطفال المسلمين القراءة
والكتابة
وأحكام تلاوة القرآن الكريم، ويقوم بتعليمهم أساتذة متخصصون في
علوم
القرآن، ويعد الكُتَّاب خطوة جديدة نحو تطوير المنشآت التعليمية بعد
أن
ضاقت المساجد عن استيعاب أعداد المتعلمين صغارًا وكبارًا، فانتشرت هذه
الكتاتيب
في كل بلاد المسلمين، وهذه مرحلة متطورة تدل على ازدهار العلم
وارتفاع
شأن العلماء والمتعلمين.
المكتبات:
وقد قام الحكام المسلمون بإنشاء
المكتبات المملوءة بالكتب النافعة في
مجالات العلوم، واشتهرت بغداد
ودمشق والقاهرة بمكتباتها الزاخرة بأمهات
الكتب في كل فروع المعرفة
الإسلامية، ومن بين المكتبات التي نالت شهرة
واسعة دار الحكمة التي
أنشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 395
هـ، ووضع فيها
الكثير من الكتب، وقسمها إلى حجرات متعددة، بعضها للاطلاع
وبعضها
الآخر لحلقات الدراسة، وزينها بمفروشات جميلة، وجعل بها عمالاً
لخدمة
طلاب العلم، وكانت بها فهارس تسهل للطلاب الحصول على الكتب، وكان
بها
نظام الاستعارة.



المدارس:
وتعددت المدارس، وتنوعت ما
بين خاصة بالخلفاء والحكام وأبنائهم، حيث
المعاملة والخدمة المتميزة
التي تؤهلهم لتولى المناصب القيادية في الدولة
الإسلامية، وعامة
لرعاية أبناء المسلمين في مختلف فروع المعرفة.
وقد برع الوزير السلجوقي
(نظام الملك) في إنشاء العديد من المدارس، وكانت
على درجة عالية من
النظام والفخامة، وقد انتشرت هذه المدارس في بغداد
وأصفهان والبصرة
والموصل وغيرها، ومن أشهر هذه المدارس: مدرسة نور الدين
محمود زنكي،
وتعرف بالمدرسة النورية الكبرى بدمشق، وأنشأها سنة 563 هـ على
مساحة
واسعة، وجعل فيها قاعات للمحاضرات، ومسجدًا للصلاة، وحجرتين
للمعلمين،
ومسكنًا لخادم المدرسة، ومراحيض ليستخدمها الطلاب، وقد تميزت
بروعة
البناء ودقة وجمال تصميمها، وارتفاع مستوى التعليم فيها.
وكانت هذه
المدارس منارات لتخريج العلماء، وقد وُضعَتْ بها نُظُمٌ عالية
لاختبار
قدرات الطلاب، وتوجيههم حسب كفاءاتهم ومواهبهم ومصاحبة الطلاب
لأساتذتهم
في مكان واحد، وتمتع الطلاب وخاصة المتفوقين بكافة الميزات
والمكافآت؛
تشجيعًا لهم، إلى جانب العناية بالترفيه عنهم، وإقامة الرحلات
المفيدة
لهم، والاهتمام بتنمية أجسامهم وعقولهم. هذا بالإضافة إلى العناية

بتعليم الفتيات، فقد اهتموا بهن اهتمامًا لا يقل عن الفتيان.
مجالات
العلوم
ومن أهم مجالات العلوم التي اهتم المسلمون بتعليمها: العلوم
الأصيلة،
والعلوم المقتبسة.

أولاً: العلوم الأصيلة:
هي
العلوم التي تتصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية وأصول الدين وما يخص
الأمة
من آداب وتاريخ، وقد أبدعها المسلمون أنفسهم، ولم يقتبسوها من
غيرهم،
ومن أبرز هذه العلوم:
- علم القراءات القرآنية:
وُجدت القراءات مع
وجود القرآن الكريم، فقد كان جبريل -عليه السلام- يُقرئ
النبي ( بأكثر
من طريقة؛ تيسيرًا على الناس؛ لاختلاف لهجاتهم، واهتم
صحابة الرسول (
بحفظ القرآن وتدوينه وتعليمه، واشتهر من بينهم بحفظ القرآن
علي بن
أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى
الأشعري،
وسالم مولى حذيفة، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، ومعاذ بن
جبل،
وغيرهم رضي الله عنهم.
وقد أخذ عنهم عدد كبير من الصحابة -أيضًا-
والتابعين في الأمصار، فراح
الناس يقرءون على طريقتهم في القراءة إلى
أن جاء القرَّاء السبعة
المشهورون:
أبو عمرو بن العلاء في البصرة،
ونافع في المدينة، وعاصم في البصرة، وحمزة،
والكسائي في الكوفة، وعبد
الله بن عامر في الشام، وابن كثير في مكة
المكرمة، فاعتنوا بضبط
القراءة وإسنادها إلى رسول الله (، ووضعوا القواعد
من أجل ذلك.
ومن
هنا نشأ علم القراءات، والقراءات جمع قراءة، وهي مذهب من مذاهب النطق
في
القرآن قرأ به إمام من أئمة القراءات، يختلف عن المذهب الذي قرأ به
غيره
في الأداء والحروف، وقد اهتم المسلمون بتدوين هذه القراءات وضبطها
وبيان
قواعدها، وبيان أئمتها ورواتها وسندها والفروق بينها، كما اهتموا
ببيان
أنواعها، ومن الكتب المدونة في هذا الموضوع:
1ـ التيسير في القراءات
السبع لابن الصيرفي (ت 444 هـ).
2ـ جامع البيان في القراءات السبع لأبي
عمرو الداني.
3 ـ النشر في القراءات العشر لابن الجزري (ت 833 هـ).

في القراءات العشر لابن مهران الأصبهاني (ت 381 هـ).
وقد أسهم هذا
العلم وعلم التجويد في الحفاظ على قراءة القرآن الكريم قراءة
صحيحة،
والحفاظ عليه من التحريف والتبديل، كما أسهم علم التجويد في نشأة
علم
أصوات اللغة العربية، والتي وضع لها علماء المسلمين القواعد فيما بعد،
واستفاد منها علماء اللغة في العصر الحديث.
- علم التفسير:
هو
العلم الذي يبحث في أوجه معاني كلام الله تعالى، ومعرفة المراد منه،
ومعرفة
أحكامه وحِكَمه، وما اشتمل من عقائد وأسرار. قال ابن عباس: التفسير

أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها (الذي يفهم من لغة العرب)، وتفسير
لا يُعذر أحد بجهالته (وهو الذي يأتي إلى الذهن من معرفة معناه من
النصوص)،
وتفسير تعلَّمه العلماء (بالاجتهاد والاستنباط)، وتفسير لا يعلمه
إلا
الله (وهو ما يتعلق بالأمور الغيبية).
وطرق
تفسير القرآن هي:
- تفسير القرآن بالقرآن.
- تفسير القرآن بالسنة
الصحيحة الثابتة عن رسول الله ( .
- التفسير بقول الصحابي.
-
التفسير بقول التابعي.
- التفسير بمطلق اللغة، فإن القرآن نزل بلسان
عربي مبين.
- التأويل.
ويفسر القرآن تبعًا للترتيب السابق، ولا
ننتقل من طريقة في التفسير إلى
أخرى إلا إذا لم يوجد فيها تفسير للآية
المطلوبة، وقد فسر الرسول ( بعض
الآيات للصحابة، ولكن ليس لدينا ما
يدل على أن رسول الله ( فسر جميع
القرآن كله، لذا فنحن نكتفي من تفسير
رسول الله ( ومن سنته بما وصلنا
صحيحًا ثابتًا عنه.
وفي عهد
التابعين ومن بعدهم انفصل علم التفسير عن علم الحديث، واستقل بكتب
خاصة
به، فظهرت تفاسير عديدة على مر الزمن، ويمكن تقسيمها حسب المنهج
العلمي
الذي اتبعه العلماء، إلى قسمين:
- التفسير بالمأثور: ويعتمد على النقل
والرواية والأخبار، ويشمل تفسير
القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة،
وبأقوال الصحابة أو التابعين، ومن أمثلة
كتب التفسير بالمأثور:
1-
جامع البيان في تفسير القرآن. لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ).
2-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774 هـ).
3- الدر المنثور في التفسير
المأثور لجلال الدين السيوطي (ت911 هـ).
- التفسير بالرأي: وهو تفسير
القرآن بالاجتهاد والاستنباط، بالاعتماد على
اللغة العربية ومعاني
الألفاظ، والتفسيرات المأثورة، وأسباب النزول،
والناسخ والمنسوخ، وفيه
يجتهد العالم بعد أن يحيط بالعلوم اللازمة لتفسير
كتاب الله، وهي
العلوم السابقة. ومن أهم نماذج كتب التفسير بالرأي:
1- مفاتيح الغيب
للفخر الرازي (ت 606هـ) وهو تفسير يغلب عليه ثقافة مؤلفه
في علوم
الكون والطبيعة وأقوال الحكماء والفلاسفة، وقد ربط فيه مؤلفه بين
معظم
العلوم التي اشتهرت في عصره، وبين القرآن الكريم.
2- البحر المحيط،
لأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ).
3- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب
الكريم لأبي السعود محمد بن محمد
العمادي (ت982 هـ).
4- روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لشهاب الدين محمد
الألوسي
البغدادي (ت 1270هـ).
وقد اهتم المسلمون في العصر الحديث بتفسير
القرآن الكريم، ومن أمثلة هذه
التفسيرات:
1- تفسير المنار لمحمد
رشيد رضا.
2- التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب.
3- في
ظلال القرآن لسيد قطب.
4- تفسير القرآن للشيخ المراغي.
كما اهتم
المسلمون في العصر الحديث أيضًا بالتفسير العلمي للقرآن، ومن
أمثلة
هذا التفسير:
- تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري.
كما اهتم
المعاصرون بجمع تفاسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم من خلال
الرسائل
الجامعية وغيرها، وإحياء ما هو مخطوط من ذلك، وقد قدم تفسير
القرآن
للحضارة الإسلامية خدمات جليلة، منها: أنه ساعد على استنباط
الأحكام
من كتاب الله، ومعرفة قواعد وأصول الحضارة الإسلامية في كل مجالات

الحياة، كما ساعد على فهم مقاصد كتاب الله.
علم الحديث:
لقد حرص
صحابة رسول الله ( على سماع أحاديثه، وبلغ حرصهم على تتبع سماع
هذه
الأحاديث أن كان بعضهم يتبادلون ملازمة مجلسه ( يومًا بعد يوم، فهذا
عمر
بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني
أمية
بن زيد -وهي من عوالي المدينة- وكنا نتناوب النزول على رسول الله (،
ينزل
يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوصى وغيره،
وإذا
نزل فعل مثل ذلك.
وكان الرسول ( يحضُّ المسلمين على تبليغ ما يسمعون،
فقال: (نضَّر الله
امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمع، فربَّ مبلَّغ
أوعى من سامع)
[الترمذي]. وكان أبو هريرة وابن عباس أكثر الصحابة
حفظًا لكلام رسول الله (
.
ولم يدون من حديث رسول الله ( في حياته
إلا القليل، وكان رسول الله ( في
بداية الأمر قد نهى الصحابة نهيًا
عامًّا عن كتابة الحديث حتى لا يختلط
بالقرآن الكريم، مما دفع الصحابة
للاجتهاد في حفظه ومدارسته، ثم سمح فيما
بعد لبعض الصحابة أن يكتبوا،
إلا أن الصحابة انصرفوا إلى الاهتمام بحفظ
القرآن.
واستمرت الحال
هكذا حتى بدأت الصراعات والفتن تقع في الدولة الإسلامية منذ
عهد
الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ظهرت جماعة من الوضاعين الذين

يضعون الأحاديث، ثم ينسبونها زورًا إلى رسول الله (، وكان ( قد تنبأ بهذه
الظاهرة حيث قال: (من كذب عليَّ عامدًا متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار)
[البخاري].
وفي عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، أمر بجمع حديث
رسول الله (،
وكلف بذلك أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ومحمد بن شهاب
الزهري، فبذلا
جهدًا كبيرًا في جمع حديث الرسول (، وكانت هذه المرحلة
الجمع بدون تنقيح.
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة أخرى أكثر عمقًا بظهور جماعة
من علماء الحديث نظروا
فيما جمعه محمد بن عمرو بن حزم وابن شهاب
الزهري، وجمعوا الصحيح منها،
وتركوا الضعيف والموضوع، وهي المرحلة
المعروفة بمرحلة تدوين السنة، ولعل
أقدم كتاب جمع الصحيح واهتم
بالتنظيم والتبويب هو موطأ الإمام مالك -رضي
الله عنه- (ت 179هـ).
ونشط
العلماء في جمع وتدوين أحاديث الرسول ( في القرن الثالث الهجري، ويعد
هذا القرن هو القرن الذهبي لتدوين الحديث، فقد ظهر في هذا القرن أصحاب
الكتب
الستة: ومنها: صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256
هـ)،
وصحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري
(ت 261هـ)، وقد اتبع
هذان العالمان الدقة والأمانة في جمع الأحاديث
النبوية، فنالا ثقة
المسلمين جميعًا، وأصبح كتاباهما أصح كتابين بعد كتاب
الله تعالى.
كما
ظهر ما يعرف بكتب السنن، كسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي،
وسنن
ابن ماجه، كما ظهرت المسانيد، كمسند أحمد بن حنبل، ومسند أبي عوانة،
والمستخرجات
والمستدركات كمستدرك الحاكم على الصحيحين. كما ظهر علم مصطلح
الحديث،
وهذا العلم يهتم بمعرفة الحديث الصحيح والحسن من الضعيف والموضوع،

كما ظهرت كتب خاصة بالضعيف، وأخرى خاصة بالموضوع.
وظهر أيضًا علم الجرح
والتعديل أو علم الرجال، والذي يهتم بدراسة شخصيات
الرواة من حيث
الثقة والأمانة والكذب والتدليس، وبالجملة من حيث قبول حديث
الراوي أو
عدم قبوله، وهل هو متروك أم يؤخذ عنه الحديث، وممن كتبوا في
هذا
العلم الإمام البخاري، فكتب كتاب التاريخ، وكان شيخه على بن محمد
المديني
قد سبقه في كتاب (علل الرواة)، و(الضعفاء) و(الكبير) للإمام
العقيلي،
و(تهذيب الكمال) للحافظ المزي، و(ميزان الاعتدال) للذهبي، و(لسان

الميزان)، و(تهذيب التهذيب)، و(تقريب التهذيب) للحافظ ابن حجر، وغير ذلك.
وبعد
هذه المرحلة تأتي مرحلة الشرح والاختصار لتلك الكتب، فألف العلماء
شروحًا
لموطأ الإمام مالك كشرح الزرقاني على الموطأ، وفتح الباري بشرح
صحيح
البخاري لابن حجر، وشرح النو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تغريد مصطفى ابراهيم
مشرف
مشرف
تغريد مصطفى ابراهيم


عدد الرسائل : 1204
العمر : 32
Localisation : egypt
تاريخ التسجيل : 02/09/2009

الحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحضارة الاسلامية   الحضارة الاسلامية Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 1:17 pm

والفلك، وعلم الميكانيكا.
علم الجغرافيا وعلاقته
بالفلك والرحلات:
كان
المسلمون الأوائل يعيشون في بيئة صحراوية،
ارتبطوا بها، ولمسوا تغيرات
الجو، وعرفوا تطوراته، وكانت تضاريس
الصحراء، وما بها من جبال وتلال
وهضاب
وسهول ووديان، وأماكن
المياه، كان ذلك دافعًا لمعرفة المسلمين بعلم
الجغرافية
وبراعتهم
فيه.
لقد استفاد المسلمون من معارف الأمم السابقة في
الجغرافية،
وأضافوا إليها
معلومات جغرافية كثيرة، فقد برعوا في مجال
الجغرافيا
الوصفية، وهي ما عرف
بعلم المسالك والممالك، وقاموا في ذلك
بعدة
رحلات برية وبحرية كثيرة وصفوا
خلالها الطرق والمسافات والمدن
والأقطار
وصفًا دقيقًا رائعًا، كما برع
المسلمون في مجال التأليف
الجغرافي
ومحاولة التفسير العلمي لبعض الظواهر
الجغرافية، ونجحوا
نجاحًا
باهرًا في فن رسم الخرائط، مما يدل على الدقة
وسعة الثقافة
التي
وصل إليها الجغرافيون المسلمون في معرفة البلاد ورسم
مواقعها.
وكان
أشهر رسَّامي الخرائط الإدريسي الذي رسم خريطة للأرض، كما كانت تعرف
في
عصره بناء على طلب ملك صقلية، وقد رسمها على كرة من الفضة الخالصة،
ووضع
عليها خطوط الطول والعرض، ومن أهم الجغرافيين والرحالة المسلمين:
محمد
بن موسى الخوارزمي وابنه أحمد، ويعد كتاب محمد بن موسى (صورة الأرض)
الأساس
الأول لعلم الجغرافية العربي، وقد استفاد منه الجغرافيون الأوربيون

ومدحوه،
واعتبروه تطورًا مفاجئًا في الوقت الذي وجد فيه.
واليعقوبي (ت
266
هـ) وهو أبو الجغرافية العربية، ألف كتاب البلدان، واهتم
فيه
بالجغرافية
الطبيعية، والنواحي البشرية لبلاد كثيرة، فوصف فيه بعض
البلاد

وصفًا مفصَّلا، وينفرد الكتاب بوجود دراسة مفصلة كاملة عن الطرق
الرئيسية
في فارس.
وياقوت الحموي (ت 626 هـ)، وهو من مشاهير الجغرافيين
المسلمين،
وقد ألف
كتاب معجم البلدان، وهو معجم جغرافي هام، وقد رتب
فيه
البلاد على حسب حروف
المعجم، ووصف فيه ما استطاع وصفه من المدن
والبلدان
مع ذكر الأحداث
التاريخية المهمة التي تتصل بهذه البلدان بشيء
من
التركيز والاختصار.
ويضاف إلى هؤلاء جغرافيون آخرون أثَّروا
تأثيرًا
بالغًا في تطوير علم
الجغرافية، نذكر منهم:
الإصطخري، وقد
عاش
في القرن الرابع الهجري، وهو أول من رسم خريطة العالم
الإسلامي عن
طريق رحلاته ومشاهداته الشخصية، واعتمد من جاء بعده من
العلماء على
هذه
الخريطة، وعلى رأسهم الإدريسي.
والبلخي (ت 322 هـ) وهو من أوائل من
ألفوا في الجغرافية الوصفية من العرب،
كما أنه رسم خرائط للأقاليم
الإسلامية
قدر ما تيسر له.
والمسعودي (ت 346 هـ)؛ وهو عالم ذو ثقافة
واسعة
وجغرافي فذ، ومؤرخ بارز،
وقد لقبه المستشرقون هيرودوت العرب أو
بطليموس
المسلمين، وله خريطة للعالم
تعد من أدق الخرائط العربية،
ومنها
يتضح أن المسعودي من أعظم الخرائطيين
المسلمين، وأحسنهم تصورًا
لصورة
الأرض.
علم الفيزياء:
درس المسلمون
ظواهر
عديدة في البحر، كالمد والجزر، والبراكين، وظواهر جوية
كالضغط
الجوي
والرياح والأعاصير، والمطر والسحاب والبرق والرعد وظواهر
الصوت
والضوء
وغيرها. وظهر الحسن بن الهيثم، صاحب النظريات المعروفة في
علم
البصريات.
وقد
اهتم المسلمون بالأوزان، واستخدموا موازين غاية في
الدقة، كما تفوقوا

في تقدير الأوزان النوعية (النسبة بين وزن المادة
ووزن حجم مساوٍ
لحجمها
من الماء).
ولقد اخترع البيروني آلة
مخروطية، يتجه
مصبها إلى أسفل، صنعها بنفسه
ورسمها، لاستخراج الوزن
النوعي، وذلك
عن طريق ملء هذه الآلة بالماء حتى
المصب (النهاية)، ثم
يوضع فيها
المادة التي يريد معرفة وزنها النوعي،
فيخرج من حولها قدر
من
الماء من خلال المصب، ويسقط في الكفة، فيكون الوزن
النوعي لها هو
النسبة
بين وزنها ووزن الماء المزاح، ونجح البيروني عن طريق
تلك الآلة

في تحديد وزن ثمانية عشر معدنًا كالذهب والزئبق والنحاس
والحديد
والياقوت
وغيرها، وتوصل إلى نتائج قريبة من نتائج العصر الحديث.
كما
درس
علماؤنا الأرض وقالوا بكرويتها، وعرفوا جاذبية الأرض للأجسام،
ودوران
الأرض حول نفسها كما ذكر البيروني، وقد سبق علماؤنا نيوتن، ومهدوا
له
الطريق لوضع قانون الجاذبية، وقد تفنن المسلمون في صناعة الآلات
الدقيقة
مثل الساعة التي أهداها هارون الرشيد سنة (191هـ) إلى أحد ملوك
أوربا،
وكانت مصنوعة من النحاس الأصفر بمهارة فنية عالية.
ودرس المسلمون
الصوت
والضوء، وعرفوا كيفية تمييز الأصوات من خلال دراسة
الأوتار
الصوتية،
واهتزازاتها، وعرفوا المرايا بأنواعها. وهذا قليل من
كثير عن
علم
الفيزياء عند المسلمين، وعطائهم الحضاري في ميدان الفيزياء،
ولولا
هذا العطاء ما تقدم الغرب هذا التقدم السريع في علوم الفيزياء.
علوم
الحياة:
وهي
العلوم التي تدرس النبات والحيوان. وقد اشتغل المسلمون
بعلمي النبات
والحيوان،
واهتموا بهما اهتمامًا عظيمًا، وكانت تعاليم
القرآن والإشارات
العلمية
الواردة فيه خير دافع للمسلمين للبحث في
جميع فروع المعرفة، ومنها
علوم الحياة.
وقد ألف أبو حنيفة الدينوري
الملقب بشيخ علماء
النبات كتاب (النبات)، وألف
الإدريسي كتاب (الجامع
لصفات أشتات
النبات).
وقد اهتم المسلمون بالزراعة، وأصبحت على أيديهم
علمًا له
أصوله وقواعده
قبل باقي العلوم الأخرى، وقد اعترف الأوربيون
بفضل
العلماء المسلمين
ودورهم في نقل كثير من النباتات إلى مصر
والأندلس
وصقلية، والتي استفاد
منها الغربيون في زراعاتهم ومنها القطن،

والبطيخ، وقصب السكر، والليمون،
واهتموا بشق الترع والقنوات، وقد ذكر
ابن حوقل في كتابه (المسالك
والممالك) أخبارًا كثيرة عن هذه الترع
والقنوات
والأنهار.
كما اهتموا ببناء الخزانات وبناء السدود الضخمة على
بعض
الأنهار، وكذلك شق
المجارى المائية تحت سطح الأرض. ومن أهم كتب
الزراعة،
كتاب الفلاحة
الأندلسية لأبي زكريا محمد بن العوام الأشبيلي،
وقد
تحدث فيه عن أنواع
التربة وأجودها، وما يصلح منها للبقول وغيرها
وما
لا يصلح لها.
واهتم المسلمون بالحيوان، فدرسوه بالتفصيل في كتبهم،
ومن
أبرز من كتبوا في
هذا المجال: الجاحظ في كتابه الحيوان، والدميري
في
كتابه حياة الحيوان
الكبرى، كما وجدت كتب عن البيطرة مثل: علاج
الحيوانات،
ومنها كتب للرمَّاح
(ت 711 هـ).
علم الكيمياء:
لقد
عرف
المسلمون علم الكيمياء في وقت مبكر، وذلك على يد خالد بن يزيد بن
معاوية
(ت 85 هـ)، الذي ترك حقه في الخلافة؛ لأنه كان يحب العلم ويفضله
على
أي
شيء آخر، فقام بترجمة كتب النجوم والطب والكيمياء.
وبرع في هذا
الجانب
جابر بن حيان (120 هـ-210 هـ) الذي أكد على أن التجربة
هي أهم
مراحل
البحث العلمي، وبذلك وضع أسس المنهج التجريبي الحديث، وهو
المنهج
الذي يقوم على التجربة والملاحظة والاستنتاج، كما عرف
ابن حيان كثيرًا
من العمليات الكيميائية، ووصفها بدقة مثل: التبخير،
والترشيح،
والتقطير،
والإذابة، وقد أجرى بعض التفاعلات الكيميائية، وحصل
من
خلالها
على محلول نترات الفضة. هذا وقد بلغت كتبه أكثر من مائة كتاب
مثل:

الخواص الكبير، والموازين، والإيضاح، وقد عرف الغربيون له قدره
فترجموا
مؤلفاته إلى اللاتينية من شدة إعجابهم بها.
ومن الكيمائيين المسلمين
الذين
برعوا في هذا المجال، محمد ابن زكريا
الرازي، صاحب كتاب الأسرار

في الكيمياء، الذي استخدم علم الكيمياء في الطب
وعلاج كثير من
الأمراض
داخل جسم الإنسان.
وكان من هؤلاء: الكندي الذي ألف عدة رسائل
في
الكيمياء منها: رسالة في
تلويح الزجاج، ورسالة في أنواع السيوف
والحديد.
ولقد
كثرت منجزات المسلمين في علم الكيمياء، فحصلوا على
مركبات وعناصر
كيميائية
كثيرة مثل: مركبات البوتاسيوم والصوديوم،
واستخدموا ثاني أكسيد
الكربون
في صناعة الزجاج، وساهموا في صناعة
الصابون والروائح.
علم الطب:
لقد
اشتغل العرب بالطب في القديم،
وتقدموا فيه مع تقدم الأيام، وظهر منهم

في عهد الرسول ( الحارث بن
كَلَدة الثقفي طبيب العرب، الذي شهد
له الرسول (
ببلاغته في الطب،
بالإضافة إلى بعض النساء اللاتي
اشتغلن ومارسن هذا
العمل، خاصة خلال
غزوات الرسول من أمثال
رفيدة
بنت سعد الأسلمية والشفاء بنت عبد الله،
وأم عطية الأنصارية -رضي
الله
عنهن-.
وقد اهتم المسلمون بالطب لما
ورد في القرآن الكريم وسنة
النبي (، من
إشارات طبية، وأمر بالتداوي،
وقد احتوت كتب أئمة
الحديث على أحاديث الرسول
( التي تتعلق بالأمراض
وبعلاجها، وكتب
بعض علماء الحديث كتبًا خاصة في
ذلك، مثل: الإمام
النووي في كتابه
الطب النبوي، والإمام ابن القيم في
كتابه زاد المعاد،
وابن حجر
في شرحه لصحيح الإمام البخاري وغيرهم.
وقد كثُر الأطباء من
سكان
الدولة الإسلامية، وترجمت كتب الطب التي كتبها
أبقراط وجالينوس،
وغيرهما،
وتمت الاستفادة منها على أحسن وجه، واشتهر من
العلماء الرازي

الذي كان له دور كبير في التفريق بين الأعراض المتشابهة
لبعض
الأمراض،
مثل: ألم القولون، وألم الكلى، والتفريق بين الجدري
والحصبة.
وفرَّق
ابن سينا بين شلل الوجه الناتج عن سبب أساسي في مراكز المخ، والآخر

الناتج
عن عامل خارجي. ونجح ابن النفيس في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى
في
القرن السابع الهجري قبل معرفة أوربا لها بثلاثة قرون. وتنبه الطبيب
والمؤرخ
الأندلسي لسان الدين بن الخطيب إلى خطورة العدوى، ووجودها أثناء
انتشار
مرض الطاعون في الأندلس، فحذر الناس من خطورتها وبين كيفية الوقاية

منها.
وقد
عرف المسلمون الأوائل التخصص، فلم يسمحوا لأحد بممارسة الطب
إلا بعد
نجاحه
في امتحان في كتب التخصص المعروفة، للتأكد من سعة ثقافة
الطلاب
النظرية
والعملية، وللوثوق من مهارتهم ومقدرتهم على التشخيص
والعلاج، قبل
أداء
اليمين، وحصولهم على شهادة مكتوبة تحدد لهم الأمراض
التي يمكنهم
مواجهتها
وعلاجها. وكان الأطباء يخضعون لرقابة الدولة.
ومن
التخصصات التي
عرفها المسلمون:
الأمراض الباطنية: لقد عرف المسلمون
تركيب جسم
الإنسان وأجهزته، وطبيعة
المعدة وأمراضها، وديدان الأمعاء،
والبواسير
وغيرها من الأمراض.
الجراحة: وكان كتاب الحاوي للرازي يشتمل
على
معلومات عن جراحات الأعضاء
التناسلية والدماغ والخُرَّاجات
الموجودة
داخل الأذن وجراحة البطن وغيرها.
ويرجع الفضل في تقدم
المسلمين
في الجراحة إلى الطبيب الأندلسي المسلم أبي
القاسم الزهراوي

403هـ) رائد هذا التخصص، والذي استفادت أوربا من كتبه
لمدة خمسة
قرون،
حيث تُرجمت مؤلفاته إلى اللغة اللاتينية.
وقد ظهرت براعة أبي
القاسم
الزهراوي في إجراء العمليات بشكل لا يترك أثرًا
ظاهرًا،
واستئصاله
لأورام الثدي والفخذ، وعلاج دوالي الساقين، واستخراج
حصوات
المثانة،
وتفتيتها، واخترع أكثر من مائتي آلة جراحة تستخدم في
العمليات،

وأخذها عنه الذين جاءوا من بعده، وكان يحرص على استخدام ممرضات
من
النساء
عند إجراء عمليات جراحية للنساء لتوفير الأمن والطمأنينة لهن.
طب

العيون: لقد اهتم الأطباء المسلمون بأمراض العيون التي انتشرت في بعض
البلاد
الحارة، مثل: مصر والشام والعراق، ونجحوا في تشريح عيون الحيوانات،

فعرفوا
أجزاء كثيرة من عين الإنسان التي لا تختلف كثيرًا عن عين الحيوان،

وعرفوا أمراضها المختلفة، ووصفوا لها علاجها، ومن الأطباء الذين برعوا في
هذا التخصص
عمار بن علي الموصلي (ت 400 هـ) صاحب كتاب المنتخب في علاج
أمراض العين،
وأيضًا العالم الطبيب علي بن عيسى الكحَّال صاحب كتاب
تذكرة
الكحالين،
وغيرهما.
طب العظام: وقد نجح الأطباء المسلمون في
علاج
جميع الكسور في الأنف والفك
والرقبة، والضلوع والركبة، والساقين،
والذراع وغير ذلك، وكانوا يشرِّحون
جثث الموتى لمعرفة شكل العظام
والمفصل
وكيفية اتصالها.
طب الأسنان: وفي كتاب الطبيب المسلم الزهراوي
الذي
سماه التصريف: باب وضح
فيه كيف يمكن خلع الأسنان بجذورها، ووصف
الآلات
المستخدمة في ذلك، وعلاج
ورم اللثة وتسكين الآلام، ووضع أسنان
بديلة
عن المخلوعة من عظم البقر
المشدود بخيوط من الذهب أو الفضة،
وعرفوا
الوقاية من التسوس باستعمال
السِّواك وبعض المحاليل والمساحيق
التي
تشبه معجون الأسنان اليوم.
طب النساء: اشتهر في هذا الفرع من فروع
الطب الطبيب المسلم أبو بكر الرازي
والزهراوي وابن سينا، ووجدت
طبيبات
مسلمات للقيام بهذا العمل مثل: أخت
الحفيد بن زهر الأندلسي
وابنتها،
وهناك مؤلفات إسلامية طبية مثيرة تحتوي
على معلومات واسعة عن

أمراض النساء وعلاجها، مثل: عمليات التوليد، وتوسعة
باب الرحم أثناء
الولادة،
والنفاس وآثاره، وعالجوا احتباس الدورة الشهرية
وغيرها من
أمراض
النساء، وحاولوا التعرف على نوع الجنين في بطن أمه عن
طريق
الملاحظة
والتدقيق.
طب الأطفال: ولقد احتل طب الأطفال مكانة عالية عند
المسلمين،
ونال الأطفال
عناية كبيرة من اهتمام علماء الطب المسلمين،
فقد
تكلموا عن الرضاع
والفطام، ومواقيته، كما عالجوا أمراض الأطفال
مثل
السعال والإسهال والقيء،
وحاولوا علاج شلل الأطفال، والتبول
اللاإرادي
في الفراش، وغيرها من
الأمراض. ومن كتب طب الأطفال: رسالة
في
أوجاع الأطفال لأبي على بن أحمد بن
مندويه الأصفهاني
(ت410 هـ).
الطب
النفسي والعقلي: وقد مارسه من أطباء المسلمين الرازي وغيره من
الأطباء،
واستخدموا فيه الصدمات والمفاجأة لعلاج الأعضاء المصابة بالشلل،
وإعادة
الحياة إليها، أما الأمراض العقلية فكانت هناك مستشفيات خاصة بهذه
الأمراض
في جو مليء بالخضرة والزهور والورد، وسماع بعض الآيات القرآنية.
علم
الصيدلة:
وبرع المسلمون الأوائل في علم الصيدلة، وقاموا بترجمة الكتب
التي
تتحدث عن العقاقير والأدوية، ثم طوروا وأبدعوا في مجالات الأدوية
والأقراص
والأشربة والمرهم، كما ورد في كتاب (فردوس الحكمة) لعلي بن سهل
الطبري،
وكتاب (الحاوي) في الطب لأبي بكر الرازي، وكتاب (القانون) لابن
سينا.
وقد
نجح المسلمون في تحضير الأدوية من الأعشاب، وكانت هذه الأدوية تباع في
دكاكين العطارين المنتشرة في أسواق المدن الإسلامية بالإضافة إلى دكاكين
الصيادلة.
وكان
من أهم إنجازات العلماء المسلمين في مجال الصيدلة:
- اكتشاف العديد من
العقاقير التي لا تزال تحتفظ بأسمائها العربية في
اللغات الأجنبية
مثل
الحناء، والحنظل، والكافور، والكركم، والكمون.
- تحضير أدوية من
مواد
نباتية وحيوانية ومعدنية، وابتكار المعالجة
المعتمدة على
الكيمياء
الطبية، ويعد الرازي أول من جعل الكيمياء في خدمة
الطب،
فاستحضر
كثيرًا من المركبات.
- تغليف الأدوية المرة بغلاف من السكر أو
عصير
الفاكهة لكي يستسيغها
المريض.
مكان العلاج:
وقد عرف
المسلمون
البيمارستان (المستشفى)، منذ زمن بعيد، وأول مستشفى
أنشئت في
عهد
الخليفة الوليد بن عبد الملك عام (88هـ) قرب دمشق، وكانت
تعالج
مرض
الجذام، ثم كثرت بعد ذلك المستشفيات، وجهزت بجميع الأدوات التي
تلزم
المريض، ومن هذه المستشفيات: مستشفى أحمد بن طولون في مصر، ومستشفى
نور
الدين محمود زنكي في دمشق الذي أنشئ عام (549 هـ)، ومستشفى صلاح الدين
الأيوبي في مصر الذي أنشئ (577 هـ).
علم المعادن: عرف المسلمون الكثير
عن الخواص الطبيعية للمعادن، ووصفوها
وصفًا علميًّا دقيقًا، مثل:
اللون،
والبريق، ودرجة الشفافية، والصلابة،
والوزن النوعي لها. وقد
برع
علماء كثيرون في هذا المجال، منهم: عطارد بن
محمد الحسيب، الذي
عاش
في القرن الثالث الهجري، وهو صاحب أول كتاب إسلامي
عن الأحجار،
وهو
كتاب (الجواهر والأحجار الكريمة).
وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي
توفي
(313 هـ)، وقد ألف في المعادن كتاب
(الخواص)، وكتاب (علل المعادن)
وتناول فيهما دراسة خواص الأحجار،
ومكوناتها الطبيعية.
ويحيى بن
ماسويه،
صاحب كتاب (الجواهر وصفاتها)، وهو من أهم الكتب
الإسلامية في
مجال
المعادن، حيث يكشف عن بداية اشتغال المسلمين بعلم
المعادن
وكتابتهم
عنه وتصنيفهم فيه، وموقفهم من تجارة الجواهر وطرق الحصول

عليها،
وأماكن استخراج الحجارة في المشرق القديم وأثمانها وأوزانها
المختلفة،
والمصطلحات والأسماء التي تتعلق بعلم الأحجار في تلك العصور
المتقدمة.
وأبو
الريحان محمد بن أحمد البيروني المتوفى (440 هـ)، والذي قال عنه
علماء
أوربا وغيرها: إنه أعظم عقلية عرفها التاريخ، وقد ترك لنا البيروني
أعظم
وأوسع كتاب في علم المعادن وهو (كتاب الجَمَاهِر في معرفة
الجَوَاهر).
وقد
اخترع أول جهاز لقياس الوزن النوعي للمعادن والأحجار الكريمة، وتمكن
عن
طريقه معرفة الوزن النوعي بدقة لثمانية عشر حجرًا كريمًا، ومعدنًا
وفلزًّا،
وكان أول من ميَّز بين المعادن والفلزات، حيث استخدم كلمة المعدن

لوصف
الأحجار الكريمة، وكلمة الفِلِز لوصف الذهب والفضة والحديد والزئبق.
والعالم
الموسوعي ابن سينا، وهو يعد المؤسس الحقيقي لعلم الجيولوجيا،
ويبدو
إسهامه
من خلال كتابه الشفاء، في الجزء الخاص بالمعادن والظواهر
الجوية
.
وشهاب
الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي صاحب (كتاب أزهار
الأفكار
في
جواهر الأحجار)، والمتوفى (651 هـ)، ويعد كتابه مع كتاب
البيروني قمة

ما وصل إليه العلماء المسلمون في علم المعادن.
ومحمد
بن
إبراهيم بن ساعد البخاري المعروف بابن الأكفاي المتوفى سنة (749
هـ)،
صاحب كتاب نخب الذخائر في أحوال الجواهر. ولقد سبق علماء المسلمين
علماء
الغرب بنحو ستة قرون في مجال علم المعادن، وكان لما تركوه من تراث
عظيم،
أكبر الأثر في نهضة أوربا وتقدمها في هذا المجال.
علم التنظيم
والإدارة:
برع المسلمون في كل المجالات، ومنها التنظيم
الإداري، فقد
اقتضى
قيام الدولة الإسلامية أن يكون لها تنظيمها الإداري
الخاص بها،
الذي
يقوم بتنفيذ سياساتها العامة، والقيام بتطبيق وتنفيذ
أحكام
الشريعة
والحفاظ عليها، وقد مرَّ علم الإدارة والنظام الإداري
الإسلامي

بالعديد من المراحل.
وفي عهد عمر بن الخطاب، اتسعت الدولة الإسلامية،
وازدادت
الحاجة إلى تطوير
النظام الإداري الإسلامي ليلائم الأوضاع
الجديدة،
فقام عمر -رضي الله
عنه- بتطوير الجهاز الإداري في الدولة
الإسلامية،
فوضع التاريخ الهجري،
وأنشأ الدواوين، ومنها ديوان الإنشاء
لحفظ
الوثائق الرسمية، وديوان العطاء
والجند.
وفي عهد الدولة
الأموية
ظهرت دواوين ووظائف جديدة لمواجهة اتساع نطاق
الإدارة، فظهرت
دواوين
الخاتم، والشرطة، والبريد، والحسبة، والأحباس للنظر
في المظالم

والضياع.
ومع بداية عهد الدولة العباسية استقر نظام الوزارة لمساعدة
الخليفة
في
إنجاز شئون الدولة. ولكي يتحقق ضمان الدقة في الإدارة، كان
هناك
مفهوم
الرقابة الإدارية في الدولة، وتم وضع أساس مشروعية هذه
الرقابة
من خلال:
أولاً: الرقابة الذاتية، أو محاسبة النفس، وبمقتضاها
يوجب
الإسلام على
الإنسان المسلم ضرورة مراجعة نفسه ومحاسبتها.
ثانيًا:
رقابة الأمة؛ فالأمة رقيبة على كل مسئول في موقعه ومنصبه، لا يحل
للأمة
أن تتخلى عن تلك المراقبة.
ثالثًا: رقابة الحاكم؛ فالحاكم رقيب على من
دونه من وزرائه وأمرائه، وهو
مسئول إن قصَّر في ذلك، وهو يقوم بهذه
الرقابة
من خلال الأجهزة المعاونة
له.
وهكذا ساهم الإسلام وحضارته
السامية
في إرساء أهم الأسس والقواعد في ميدان
الإدارة، والنظام
الإداري،
فسبق بذلك العديد من النظم الإدارية التي
وضعها غيرهم من
البشر.
النظام القضائي
كانت امرأة من
بني مخزوم تستعير من
الناس أمتعتهم ثم تنكرها، فحكم رسول
الله ( بقطع
يدها تنفيذًا
لحد الله، فأراد أهلها أن يستغلوا حُبَّ رسول
الله
لأسامة بن زيد،
فطلبوا من أسامة بن زيد أن يشفع لها عند رسول الله (؛

لينقذها من
إقامة الحد عليها، لكن الرسول ( غضب غضبًا شديدًا، وقال:
(إنما

أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق
فيهم
الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛
لقطعت
يدها) [الجماعة].
وهكذا ضرب الرسول ( مثلاً في تحقيق العدل في
المجتمع،
فنبذ المحاباة
والوساطة ووضع الاعتبار لبعض الناس دون بعض،
وقد
بلغ من حرص الإسلام على
إقامة العدل أن حذر من الظلم وجعله ظلمات
يوم
القيامة، قال (: (اتقوا
الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)
[مسلم].
الفرق
بين الحكم والقضاء:
الحكم هو ما يقوم به الحاكم
لتحقيق العدالة في
الناس ويشمل كل نواحي حياة
الأمة، أما القضاء فهو
الفصل في
الخصومات بين الناس بما يأمر به الشرع
إلزامًا. ومعنى هذا أن

القضاء يتم بعد وجود منازعات، أو ضبط أحد الخارجين
على القانون
متلبسًا
بجريمة، وتقديمه إلى القاضي، ليفصل في الأمر بما
تقتضيه
الشريعة
الإسلامية، وتكون أحكام القاضي واجبة التنفيذ.
الفتوى والقضاء:
الفتوى
أعم وأشمل من القضاء، لأن الفتوى لا تحتاج إلى إجراءات معينة،
ويكفي
أن
يرسل السائل إلى العالم، فيجيب عن سؤاله، والقاضي لا يسأل ولا
يستفتي
في مسائل العبادات، أما المفتي فيجيب عن كافة التساؤلات، وينصح
ويرشد،
لكنه لا يملك معاقبة المقصرين في أدائها مثل القاضي.
القضاء والنظم
القضائية:
تتمتع
الدولة المسلمة بمجموعة من المؤسسات، والقضاء جزء هام
من هذه
المؤسسات،
لتحقيق العدالة وإخضاع الجميع لشرائع الإسلام
وآدابه، وجاء
الإسلام
بنظم قضائية فريدة لم يعرفها العالم من قبل من
أهمها: القضاء،
والشرطة،
ونظام الحسبة، ونظام النظر في المظالم.
تاريخ
القضاء في الإسلام:
لقد
كان الرسول ( حاكم الدولة وقاضيها الأول، وقد
أمره الله تعالى بذلك
قائلاً:
{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم واحذرهم أن
يفتنوك
عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: 49].
وقال تعالى: {إنا أنزلنا
إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك
الله ولا تكن للخائنين
خصيمًا}
[النساء:
105].
وكان ( يرسل
نوابًا عنه إلى الأماكن البعيدة يتولون القضاء،
فقد أرسل معاذ
بن جبل
-رضي الله عنه- إلى اليمن، وَعتَّاب بن
أسيد -رضي الله عنه- إلى
مكة،
وكان قبل أن يرسل القضاة يتولاهم
بالنصيحة والموعظة، وقد أوصى النبي
(
علي بن أبي طالب -رضي الله
عنه- ذات مرة، فقال: (يا علي، إذا جلس إليك
الخصمان،
فلا تَقْضِ
بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك
إذا
فعلت ذلك
تبين لك القضاء) [أحمد وأبوداود والترمذي].


المبادئ
العامة
للقضاء في الإسلام
كانت المبادئ العامة للقضاء في عهد الرسول (،

ومن تبعه من الخلفاء
والأمراء غاية في السمو والارتقاء والعظمة، ومن
مظاهر
ذلك:
- القاضي يحكم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
-
التحذير
من الظلم في القضاء، فقد قال (: (إن الله مع القاضي ما لم
يَجُرْ
(يظلم)، فإذا جار تبرأ منه، وألزمه الشيطان) [الحاكم والبيهقي].
وقال
(: (من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جَوْره (ظلمه)، فله
الجنة،
ومن غلب جوره عدله فله النار) [أبو داود].
- ابتعاد القاضي عن كل ما
قد
يؤثر على حكمه بالعدل، فيراعى أن يكون في
أحسن حالاته النفسية،
بعيدًا
عن الجوع والعطش، والضيق والقلق والغضب، حتى
لا يؤثر ذلك في
عدالته،
قال (: (لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان) [متفق
عليه].
-

تحريم تقديم الرشوة للقاضي، أو قبولها، وإذا قدمها المتهم، فللقاضي أن
يعاقبه
بما يراه، ولذلك فقد كان قضاة الإسلام لا يستضيفون الخصوم أو
بعضهم،
ولا
يقبلون ضيافتهم ولا هداياهم، حتى لا يكون لذلك تأثير على قضاء
القاضي،
قال (: (من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك
فهو
غُلُول)
[أبو داود].
وقال (: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش (أي
الذي
يعطي الرشوة، والذي
يأخذها والوسيط بينهما)) [أبوداود والترمذي
وابن
ماجه وأحمد].
- تحذير المتخاصمين من الكذب في الادعاء، فعن أنسٍ
-رضي
الله عنه- قال:
سئل رسول الله ( عن الكبائر، فقال: (الإشراك
بالله،
وعقوق الوالدين، وقتل
النفس، وشهادة الزور) [البخاري].
-
تحرِّي
الصدق في عرض القضية، فقد قال ( لرجلين اختصما أمامه في ميراث
طال
عليه الزمن، وليس لأحد منهما بيِّنة، فقال (: (إنكم تختصمون إليَّ،
وإنما
أنا بشر، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض (أبلغ)، وإنما أقضي
بينكم
على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما
أقطع
له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا (الحديدة التي تحرك بها النار) في
عنقه يوم القيامة). فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي. فقال
رسول
الله (: (أما إذ قلتما، فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق (اقصدا)، ثم
استهما
(أي ليأخذ كل منكما ما تخرجه القرعة بعد القسمة)، ثم ليحلل كل
واحدٍ
منكما
صاحبه) [أحمد والبخاري ومسلم].
أي أن الناس يتحاكمون إلى القاضي،

فيجتهد لهم، وقد لا يصيب الحق، فيقضي
لأحدهم بشيء ليس من حقه، فحكم
القاضي
هنا لا يحل لهذا الشخص أخذ ما ليس من
حقه.
- تقديم الصلح
على
القضاء، وهذا من عظمة القضاء في الإسلام، لأن حكم
القضاء يورث
الضغائن
والأحقاد وما دام الصلح بين المسلمين جائزًا فكان
لابد أن
يأخذ
مكانه لإصلاح ما أفسده الشيطان بين الناس، قال (: (والصلح
جائز
بين
المسلمين، إلا صلحًا حرَّم حلالا أو أحلَّ حرامًا) [أصحاب
السنن].
ورُوى
عن عمر بن الخطاب أنه قال: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء

(أحكام القضاء) يورث بينهم الضغائن.
ومن عظمة الإسلام أنه أباح للقاضي
أن يشفع عند أحد المتخاصمين للآخر، فقد
ورد أن كعب بن مالك طلب دينًا
له
كان عند أبي حدرَدٍ، وكانا في المسجد،
فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما
رسول الله ( وهو في بيته، فنادى الرسول ( كعب
بن مالك، فقال كعب:
لبيك
يا رسول الله. فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من
دينك (أي اترك نصف
دينك لأخيك). قال كعب: قد فعلت يا رسول الله فقال النبي
( لأبي حدرد:
(قم فاقضه) [متفق عليه].
طرق إثبات الحق في القضاء الإسلامي:
-
شهادة
الشهود، فيشهد على الحق شاهدان ممن ترضى شهادتهما، أو شهادة رجل
وامرأتين،
قال الله عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا
رجلين
فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما
الأخرى}
[البقرة:282]. وهذا في غير القضايا التي تتعلق بالعِرض والشرف،
التي
يلزم
فيها أربعة شهود.
- الوثائق المكتوبة والأدلة الأخرى التي
يستخدمها
القاضي بذكاء للتوصل
للحكم الصحيح.
ضوابط اختيار القضاة:
لا
يتولى القضاء في الدولة الإسلامية إلا من توفرت فيه عدة شروط، منها:
-
الإسلام والعقل والبلوغ، فلا يتولى قضاء المسلمين كافر أو مجنون أو فاسق
أو طفل صغير، كما اشترطوا العلم بالكتاب والسنة، والذكاء الذي يساعده على
التمييز بين الحق والباطل.
- العِلْم بآيات الأحكام وأحاديثها
وأدلتها،
وبأقوال الصحابة، وبالإجماع،
وبما اختلف العلماء فيه، وأن
يكون
عالـمًا باللغة العربية، وقادرًا على
القياس والاستنباط.
-
سلامة
الحواس، مثل: السمع والبصر واللسان حتى يستطيع القاضي أن يلاحظ
وأن
يعبر بها، ولا غنى للقاضي عنها.
- العدالة: وهي أن يكون القاضي
متحليًا
بمكارم الأخلاق، بعيدًا عن ارتكاب
الكبائر، غير مصرّ على فعل
الصغائر،
فهذه من أفعال الفُساق ولا يتولى
القضاء فاسقٌ.
- أن يكون

القاضي رجلاً، فلا يجوز أن يتولى القضاء امرأة؛ لأنها مهنة
تحتاج إلى
الصبر والمعاناة وعدم الانفعال، وطبيعة المرأة بعواطفها
الرقيقة،
وانفعالها
السريع وما يحدث لها من حيض ونفاس وحمل ووضع وإرضاع،
كل ذلك

يجعلها غير مؤهلة للقضاء، كما أن طبيعة هذا المنصب تتطلب الاحتكاك
بجمهور
الناس، والشهود والخصوم، والوكلاء وأعوان القضاة وكل ذلك يتطلب
المعاناة
والانفراد بالأعوان، وهذا لا يليق بالمرأة.
وعندما بلغ رسول الله ( أن
أهل فارس جعلوا حاكمهم ابنة كسرى قال: (لن يفلح
قوم ولَّوا أمرهم
امرأة)
[البخاري].
سرعة الحكم في القضايا:
لا يجوز للقاضي تأجيل
الحكم
في قضية إلا في حالات ثلاث:
- للصلح بين المتخاصمين.
- إذا
طلب
المدعى مهلة ليأتي بمزيد من الأدلة المؤيدة لحقه.
- إذا كان لدى
القاضي
شك، يتطلب مزيدًا من البحث والتحرى والدقة.
الأجهزة المعاونة
للقاضى:
الشرطة: وهي من الوظائف الإسلامية
القديمة، وكانت
تساعد
القاضي في تنفيذ الحكم الذي يصدره ضد المذنبين.
ويبدأ تاريخ الشرطة
بعهد
عمر بن الخطاب الذي كان يتفقد أحوال الناس
بنفسه في الليل ويطارد
المنحرفين
.
جهاز الحسبة: وهم جماعة تقوم
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بتكليف من
الحاكم المسلم، فالمحتسب
يمنع الغش في الأسواق ويراقب
الموازين، ويطوف على
الخبازين والصناع
ليلاحظ جودة المنتجات،
ويراقب الأفراح والمآتم ليمنع ما
يحدث فيها من
منكرات، ويحارب
الربا، ويطالب بسداد الديون، ويأمر الناس
بالصلوات
الخمس في
أوقاتها...إلخ. وإجمالاً فقد كانت وظيفة المحتسب من
الوظائف
المهمة
التي تتغلغل في المجتمع، وتنظم التعاملات بين الناس وتحفظ
حقوقهم،
بما يرضي الله ورسوله.
جهاز المظالم: وهذا الجهاز من مفاخر القضاء
الإسلامي،
فقد وضع هذا الجهاز
لكل ما يعجز عنه القضاة من قضايا، كأن
تكون
القضية متصلة بكبار القوم
أصحاب السلطة والنفوذ، فلا يستطيع
القاضي
فرض نفوذه والحكم ضدهم، فيكلف
والي المظالم بأخذ الحق منهم
لصاحبه،
ولذلك فوالي المظالم لابد أن يكون
على درجة عظيمة من الهيبة
والتقوى،
وسعة العلم.
وقد تطور ديوان المظالم بعد إنشائه، فأحيانًا كان

الخلفاء أنفسهم يقومون
بمهمة والي المظالم، وهذا مشهور عن الخلفاء
الراشدين
والخلفاء الأمويين
والعباسيين، ومما يروى في ذلك أن الخليفة

العباسي المأمون جلس للمظالم
يومًا، فكان آخر من تقدم إليه امرأة،
فدخلت
عليه وقالت: السلام عليك يا
أمير المؤمنين. فقال لها: وعليك
السلام
يا أمة الله، تكلمي في حاجتك.
فأخبرته أن ابنه قد اغتصب منها
أرضها،
فحدد لها موعدًا تأتي فيه، ويحضر
خصمها أمامها.
فلما كان
اليوم
المحدد، أحْضرَ الخَصْمَ، فأجلسها وجلس الخصوم، وظلت
المرأة
تتحدث
بصوت عالٍ، فقال لها الفضل (وزير المأمون): على رِسْلِكِ (أي

مهلاً)،
إنه ابن أمير المؤمنين. فقال له المأمون: دعها فإن الحق أنطقها،
والباطل
أخرسه. ثم قضى لها بردِّ ضَيْعَتِها، وحبس ابنه. وهكذا كان لجهاز
المظالم
أثر كبير في رفع الظلم وانتشار العدل، وتطبيق الشريعة على الجميع،

مهما
كانت منزلتهم.
التشريع والقضاء بـين الحاضر والمستقبل:
اجتهد
علماء
المسلمين على مر العصور في استخراج الأحكام والتشريعات من
خلال
القرآن
والسنة، لكن المسلمين في العصر الحاضر نتيجة لتأخرهم بدءوا
يستوردون
القوانين الغربية التي ثبت فشلها، فعمَّ الفساد وانتشر الظلم،
ونتيجة
لهذه القوانين أصبحت مطالبة الناس بحقوقهم ورفع المظالم إلى القضاء

أمرًا
صعبًا، لأن إجراءات المحاكم والقضاء بطيئة ومعقدة، فليس هناك سرعة
للفصل
في المنازعات، كما هو شأن القضاء الإسلامي كما عرفنا.
كما أن للمحامين
الذين لا يراعون ضمائرهم، ولا يراقبون الله خبرة طويلة في
التحايل
على
القانون وقلب الحقائق باستغلال الثغرات الموجودة في
القوانين، إلى
جانب أن كثرة تأجيل القضايا يكلف الناس أموالاَ كثيرة، ولا
ينال صاحب
الحق حقه سريعًا، كما لا ينال المخطئ عقوبته سريعًا. مما يؤدي
إلى
موت
العدالة موتاً بطيئًا وضياعها من حياة المسلمين.
الجانب العسكري في الحضارة الإسلامية
مفهوم الجهاد
ومكانته
في الإسلام
الجهاد هو بذل الجهد في الدفاع عن محارم الإسلام ضد

أعدائه، وأعلى الجهاد
وأشرفه الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله، وهو
فرض
عين على كل مسلم بالغ
عاقل سليم الجسد، إذا احتاج الجهاد إليه،
كأن
يُحتل بلد إسلامي، وإلا فهو
فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين
سقط
الإثم عن الباقين.
وللجهاد مكانة سامية في الإسلام، فهو ذروة سنام
الإسلام،
وهو التجارة
الرابحة مع الله، قال تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا
هل أدلكم على تجارة
تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله
وتجاهدون
في سبيل الله بأموالكم
وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.

يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري
من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في
جنات
عدن ذلك الفوز العظيم} [الصف:
10-12].
وهذا المعنى فهمه أصحاب
رسول الله (؛ فعندما اقترب المشركون من المسلمين
في غزوة بدر، قال (
لأصحابه:
(قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض). فقال
عمير بن
الحِمَام
الأنصارى: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟
قال:
(نعم)،
قال: بَخٍ بَخٍ (حسنًا حسنًا). فقال الرسول (: (وما يحملك على

قول
بَخٍ بَخٍ ؟). قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من
أهلها،
قال: (فإنك من أَهْلِهَا). فأخرج عمير تمرات من جرابه، وجعل يأكل
منها،
ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم ألقى

التمرات،
وقاتلهم حتى قُتل. [مسلم وأحمد].
والجهاد الإسلامي لا مكان
فيه
للعدوان على حق الآخرين في العقيدة، ولا في
الحياة، وليس فيه
إهدار
لأي حق من حقوق أي إنسان، إنما هو جهاد من أجل
الدين، من أجل أن

تصل رسالة الله إلى الأرض كلها، وهو جهاد لمن يقف أمام
تبليغ كلمة
الله
إلى الدنيا بأسرها قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون
الدين
كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة:
193].
وهكذا
نرى أن الجهاد في الإسلام للدفاع عن العقيدة سواء كان المسلمون
يقاتلون
عدوًّا اعتدى على بلادهم ومقدساتهم، أو كانوا يحاربون من عادى
دعوة
الله
تعالى وصدَّ الناس عنها، فوجب قتالهم لتصل الدعوة إلى الناس،
وبعدها
يبقى الناس أحرارًا في الدخول في الإسلام أو البقاء على دينهم
الأول
فلا
إكراه في الدين.
أنواع الجهاد
وقد ذكر العلماء عدة أنواع
للجهاد،
منها:
جهاد المشركين:
فهم يحاربون دين الله -تعالى-، ولذلك
لابد
من محاربتهم، حتى تصل تعاليم
الإسلام إلى الناس كافة. قال تعالى:
{قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم}
[التوبة: 5].
جهاد المرتدين:
لما
مات رسول الله ( ارتد كثير من القبائل عن الإسلام، فقام
أبو بكر -رضي
الله
عنه- بمحاربتهم، فأرسل الجيوش بقيادة خالد ابن الوليد
-رضي الله
عنه-
لقتالهم، فهزمهم في معركة اليمامة، فمن ترك دين الإسلام
وكفر به،
وجب قتاله وقتله، قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو
كافر
فأولئك
حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون}
[البقرة: 217]. وقال (: (من بدَّل دينه فاقتلوه) [البخاري].


جهاد
البغاة:
ويقصد بهم الخارجون من المسلمين على الحاكم المسلم العادل، أو
الباغون
المعتدون على غيرهم من المسلمين، إذا كانت الجماعتان
مسلمتين،
وهنا يجب
قتال الفئة الباغية؛ منعًا للفساد وعملاً بقوله
تعالى:
{وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت
إحداهما
على الأخرى فقاتلوا التي
تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت

فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن
الله يحب المقسطين} [الحجر: 9].
جهاد
أهل الكتاب:
بعث رسول الله ( برسالة إلى هرقل عظيم الروم، كتب فيها:
(بسم
الله الرحمن
الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم
الروم،
سلام على من اتبع
الهدى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، أسلم يُؤْتِكَ
الله
أجرك مرتين، فإن توليت فإن
عليك إثم الأريسيَّيْن (عامة الشعب)..

يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله
ولا
نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا
أربابًا من دون الله فإن
تولوا
فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران:
64].
لم يستجب هرقل
والروم
معه لدعوة رسول الله (، فكان سقوط إمبراطورية الروم
على يد
المسلمين
تمهيدًا لنشر دعوة الإسلام بعد أن وقفوا حائلاً دون
وصولها
إلى
قومهم، فوجب قتالهم حتى يزول هذا الحائل، فإن زال فلا إكراه في

الدين،
فيدخل الإسلام من شاء ويظل على دينه من شاء. قال الله -عز وجل-:
{قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله
ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد

وهم
صاغرون} [التوبة: 29]. والمسلمون لا يبدءون بالقتال إلا بعد التبليغ
والإنذار،
فإن دخل أهل الكتاب الإسلام، أو قبلوا دفع الجزية، فلا قتال،
وإن
أَبَوْا
حوربوا.
جهاد المنافقين:
والمنافقون قوم يظهرون الإسلام
ويخفون
في صدورهم الكفر، وهم موجودون في كل
زمان ومكان، وكان منهم
جماعة
في زمن الرسول ( يعيشون معه في المدينة
المنورة، وقد أنزل الله
فيهم
سورة كاملة هي سورة المنافقون، وقد أمر الله
بجهادهم قائلاً: {يا
أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم
ومأواهم جهنم وبئس
المصير}
[التوبة: 73]. إلا أن جهاد المنافقين يختلف عن
جهاد غيرهم،
فجهادهم
باللسان وبالإنكار عليهم ما يفعلون وبإقامة الحدود
فيهم.
دوافع
الحرب عند المسلمين
رد العدوان:
يقول الله تعالى: {وقاتلوا في سبيل
الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن
الله لا يحب المعتدين} [البقرة:
190].
وبعد أن انتصر المسلمون على
المشركين في غزوة بدر، وصلت الأخبار

إلى رسول الله ( بأن أهل قريش أعدوا
العدة لقتال المسلمين، والانتقام
منهم، فاستشار رسول الله ( أصحابه في
الخروج لملاقاتهم وقتالهم فأشار
عليه الصحابة بالخروج، فخرج الرسول (
لقتالهم.
فأول دوافع الحرب
عند
المسلمين هو الاعتداء عليهم، فإذا تعرض المسلمون لأي
اعتداء على
النفس
أو العرض أو المال أو العقيدة، فعليهم أن يقفوا أمام
العدوان،
قال
تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} [البقرة:
191].
وقال رسول الله (: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو

شهيد،
ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [الترمذي].
الدفاع عن المسلمين المستضعفين:
يروي لنا التاريخ أن
امرأة مسلمة ذهبت إلى سوق يهود بني قينقاع، لتبيع بعض
ذهبها، وجلست
إلى
صائغ، فأراد بعضهم أن تكشف النقاب عن وجهها؛ فرفضت.
فأمسك الصائغ
بطرف
ثوبها في غفلة منها، ووضعه على ظهرها؛ فلما قامت انكشفت
سوأتها،
فضحكوا
منها، فصاحت المرأة، فأنقذها رجل مسلم، وقتل الصائغ،
فاجتمع
عليه
اليهود وقتلوه، فاستغاث أهله بالمسلمين، فطرد الرسول ( يهود
بني
قينقاع
من المدينة.
ومن هنا وجب على المسلمين أن ينهضوا جميعًا لمناصرة

إخوانهم في العقيدة،
في أي مكان، إذا تعرضوا لأذى، قال تعالى: {وما
لكم
لا تقاتلون في سبيل
الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان
الذين
يقولون ربنا أخرجنا من
هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من
لدنك
وليًا واجعل لنا من لدنك
نصيرًا} [النساء: 75].
إزالة
الاضطهاد
عن الدين والدفاع عن حرية التدين:
لما نقض يهود المدينة عهدهم
مع
رسول الله (، أثاروا القبائل والفتن ضد
المسلمين، اضطر الرسول (
إلى
طرد بعضهم من المدينة وقتل بعضهم، جزاء الغدر
والخيانة، فإذا نقض
أعداء
الإسلام ما بيننا وبينهم من عهود ومواثيق،
وظهرت منهم بوادر
الخيانة
وجب علينا قتالهم، قال تعالى: {وإما تخافن من
قوم خيانة فانبذ

إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}
[الأنفال: 58]. ولم يذكر لنا
التاريخ حادثة واحدة نقض فيها المسلمون عهدًا
واحدًا مع غيرهم
وبدءوهم
بالقتال.


الاستعداد للمعركة في ظل مبادئ الإسلام
أرسل

رسول الله ( إلى العباس بن عبد المطلب في غزوة أحد؛ ليراقب تحركات
قريش
واستعداداتها العسكرية، فكان ينقل تحركاتهم أولاً بأول، ويرسل إلى
الرسول
( بذلك، وظلت المدينة في حالة استعداد دائم لا يفارق رجالها السلاح

حتى
أثناء الصلاة، وتحركت الدوريات حول الطرق التي يحتمل أن يسلكها
المشركون
للهجوم على المسلمين، وعقد رسول الله ( مجلسًا يستشير فيه
الصحابة
ويتبادلون
فيه الآراء حول المعركة. ومن هنا فإنه يجب على المسلمين
أن
يكونوا
على استعداد دائم للجهاد في سبيل الله، ومن صور الاستعداد
للحرب:
إعداد
الجندي المسلم:
الجندي المسلم هو العامل الحاسم في المعركة، ولذلك يجب
الاهتمام باختياره
وإعداده، ويكون ذلك وفق خطوات محددة، هي:
-
تقوية
إيمانه ويقينه بالله عز وجل، فالإيمان بالله هو السلاح الأقوى
والحاسم
في المعارك، لذلك ركز القرآن على تثبيت ذلك المعنى في النفوس، قال

تعالى:
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الأشهاد}
[غافر: 51].
والجندي المسلم يربى على معرفة نهاية المعركة، وهي: إما
النصر
وإما
الشهادة في سبيل الله، فإن كانت الأولى حمد الله، وإن كانت

الأخرى فهو لا
يهاب الموت؛ لأنه يعلم فضل الشهادة.
- إعداده
وتربيته
على أن النصر لا يتوقف على كثرة العدد والعدة وحدهما،
ففي
غزوة
بدر الكبرى كان المسلمون قلة، وكان الكفار كثرة، ولكن المسلمين
بقوة
الإيمان والثقة بنصر الله انتصروا قال تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت
فئة
كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} [البقرة: 249].
- أن يربى الجندي
على
الطاعة، فعندما استشار رسول الله ( أصحابه يوم بدر،
قام المقداد
بن
الأسود -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، امض لما أراد
الله،
فوالذي
بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِماد (اسم مكان في أقصى
الجزيرة
العربية) لجالدنا (لحاربنا) معك حتى تبلغه. وقام سعد بن معاذ
وقال:
امض
لما أراك الله فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت هذا
البحر
فخضته لخضناه معك.
ولا شك أن طاعة القيادة المؤمنة من طاعة الله
ورسوله؛
قال النبي (: (من
أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى
الله،
ومن أطاع أميري فقد
أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)
[البخاري].
فعلى الجندي المسلم أن يطيع
توجيهات قائده الذي يقوده نحو
النصر.
وهذه الطاعة للقائد المسلم لا تكون
إلا في المعروف، أما إذا
أمرهم
القائد أو الأمير بمعصية فلا طاعة له عليهم
لقول رسول الله (:
(إنما
الطاعة في المعروف) [متفق عليه].
- أن يربى الجندي على الشجاعة،
فقد
كان رسول الله ( يحارب مع الجنود كأنه
فرد منهم، فقد كان له تسعة
سيوف
يبارز بها، وسبع دروع يحتمي بها من
الطعنات، وفي غزوة أحد، عندما
هرب الناس وانفضوا عنه (، وقف النبي ( في
شجاعة نادرة يقاتل
المشركين.
وفي غزوة حنين، عندما فر كثير من المسلمين
وقف في ثبات وقوة

يقاتل وينادي المسلمين قائلاً:
أنا النبي لا كذبْ أنا ابْنُ عبدِ
المطَّـلِب
حتى اجتمعت صفوف المسلمين مرة أخرى فكان لهم النصر. [متفق
عليه].
فالشجاعة
والثبات والصبر في المعركة من أهم صفات الجندي
المسلم،
قال تعالى: {يا
أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا
واذكروا
الله كثيرًا لعلكم
تفلحون}
[الأنفال: 45].
- أن يتدرب
الجندي
على الحيطة والحذر؛ فقد كان رسول الله ( شديد الحيطة
والحذر؛
عملاً
بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات
أو
انفروا
جميعًا} [النساء: 71].
فالجندي المسلم لابد أن يكون حذرًا يقظًا

يتابع كل تحركات العدو، ولا
ينخدع بالحيل والمكائد التي يتبعها
الأعداء،
وكذلك يكون أمينًا على
الأسرار الحربية، والجندي المسلم لا
يتأثر
بالشائعات التي تؤدي إلى إضعاف
الروح المعنوية، وتفريق الصفوف.
-
أن يتخلق الجندي بالتواضع، ويبتعد عن الغرور، فعندما فتح الله على
المسلمين
مكة ودخلها الرسول ( منتصرًا ومعه المسلمون، دخل ( وهو مطأطئ
رأسه؛
واضعًا
لله، وهكذا يعلمنا رسول الله ( التواضع عند النصر وإرجاع
الفضل

لله تعالى.
ولذلك يجب على الجندي المسلم أن يكون متواضعًا لا يعرف
الغرور
والكبر،
ويدرك أن النصر من عند الله، ويشكره على تلك النعمة
العظيمة،
والمسلم لا
يتباهى بقوته، ولا يتمنى لقاء العدو، وإنما يسأل
الله
العافية، فإذا اضطر
للحرب صبر عند اللقاء، لقول رسول الله (: (لا

تتمنوا لقاء العدو، وسلوا
الله العافية، فإذا لقيتموه فاصبروا) [متفق
عليه].
- إمداد الجندي المسلم بكل عناصر القوة اللازمة؛ فقد كان رسول
الله
( يهتم
بتسليح الجنود، ويشرف عليهم بنفسه، ويوم حنين لم يجد
سلاحًا
كافيًا،
فاستعار سلاحًا من صفوان بن أمية على أن يعيده إليه
بعد
المعركة حرصًا على
قوة الجيش الإسلامي، كما كان يتفقد الصفوف،
فإذا
وَجَدَ بينهم ضعيفًا أو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رباب مصطفى
مشرف
مشرف
رباب مصطفى


عدد الرسائل : 191
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 14/01/2010

الحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحضارة الاسلامية   الحضارة الاسلامية Emptyالخميس أبريل 01, 2010 11:12 am

مجهود ممتاز ياتغريد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
lovily girl
عضو نشيط
عضو نشيط
lovily girl


عدد الرسائل : 94
Localisation : cairo
تاريخ التسجيل : 05/01/2010

الحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحضارة الاسلامية   الحضارة الاسلامية Emptyالخميس أبريل 01, 2010 11:28 am

مجهودك ملحوظ جامد يا تى تى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحضارة الاسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحضارة الاسلامية ترم ثالث
» الحضارة الاسلامية ترم الت الفصل الثانى
» نبذة عن الحضارة الهندية
» الفلسفة الاسلامية وموقعها من الفكر الفلسفي الان
» الفلسفة الاسلامية وموقعها من الفكر الفلسفي الانساني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى كلية الاداب جامعة عين شمس في حالة وجود اي شكوي anwer_ihab@yahoo.com :: اقسام الكلية :: قسم الدراسات الفلسفية-
انتقل الى: