الفصل الاول حضاره اوروبيه
الحضاره الميكينيه اولى حضارات اليونان :-
اثبتت الكشوف الاثريه والدراسات التاريخيه ان اقدم مراكز الحضاره فى بحر ايجه ترجه الى ثلاثه آلاف عام ق.م , وكان مركزها جزيره كريت , واستمرت حتى عام 1400 ق.م تقريبا . ولم يكن اصحاب هذه الحضاره يتحدثون اللغه اليونانيه بل بلغه اخرى غير معروفه . وبلغت هذه الحضاره اوجهها فى مدينه " كنوسوس "وبلغت الحياه فيها مستوى عالى من حيث الرفاهيه والرقى , وكان لها تأثيراتها وعلاقاتها باقطار الشرق الادنى وفى مقدمتها مصر , كما اثرت بشكل كبير على شبه جزيره البلقان , خاصه فى مجال الفنون والصناعه والعقائد الدينيه والهندسه المعماريه , مما مهد بعد ذلك لظهور اول حضاره يونانيه معروفه وهى الحضاره " الميكينيه " , نسبه الى مدينه " ميكينى " فى شبه جزيره البلوبونيز .
ولم تلبث كريت ان وقعت تحت سيطره الميكينيين الذين هاجموا الجزيره عام 1400 ق.م واحتلوا " كنوسوس " وورثت " ميكينى " مركز كريت فى بحر ايجه . على ان الحضاره الميكينيه حضاره " يونانيه " الهويه , ةاصحابها اول من عرف يتحدث باللغه اليونانيه .
استمرت حضاره " ميكينى " قرنين من الزمان قبل ان تسقط حوالى عام 1100م تحت وطأه الغزو الدورى المدمر . والدوريين هم شعب يونانى آخر من المحاربين الاشداء الغلاظ الذين كانوا لايزالون فى طور البداوه , وكانوا يتحدثون احدى لهجات اللغه اليونانيه , وقد اتاحت لهم اسلحتهم الحديديه التغلب على الميكينيين الذين كانوا ليزالون يصنعون اسلحتهم من البرونز . والواقع ان الميكينيين كانوا قد وصلوا مرحله من الضعف بعد عودتهم من حرب طرواده , ولعل هذا هو الذى شجع الدوريين على مهاجمتهم .
ملامح الحضاره اليونانيه فى ضوء اشعار هوميروس :- (هــــام جـــدا )
ذكر لنا هوميروس فى ملحمتيه الخالدتين " الالياذه " و " الاوديسا " اخبار الحمله التى قام بها الجيل الاخير من الميكينيين على طرواده . ويطلق هوميروس على هذا الجيل اسم " الآخيين " , وتعد اشعار هوميروس مصدرا رئيسيا لتصوير مظاهر حضاره اليونان المبكره , التى يمكن ايجازها فيما يلى :
1 – فى مجال التنظيم السياسى نجد مجتمعات مدن تعيش فى ظل نظام الحكم الملكى وسلطه الملك مطلقه , وهو القائد العسكرى الذى يستند على قوه الجيش كمصدر لكل السلطات التنفيذيه والتشريعيه والقضائيه , وفى مجال القضاء كانت اوامر الملك نافذه كأنها القانون
على ان الملك اذا اثبت عدم كفاءه او كان ضعيفا , كان من الممكن ان يجتمع مجلس الشورى المشكل من شيوخ العشائر ويتفقوا على عزله . اما اذا كان الملك كفؤا وقويا يستطيع توريث اكبر ابنائه .
كان الملك يستشير شيوخ العشائر قبل اتخاذ اى قرار مهم , ثم يدعو الى اجتماع هام لكل الرجال الاحرار ليعرض عليهم ما تم الاتفاق عليه دون ان يكون لهم الحق فى رفض القرار او تغييره . ويعتبر ذلك هو البذره الاولى لـ " الجمعيه الشعبيه "التى ستظهر فى انظمه المدن اليونانيه .
2 – اظهر هوميروس الميكينيين فى صوره شديده التدين والرهبه من الآلهه ويعتبر هوميروس هو الكتاب المقدس عند الاغريق والمصدر الاساسى عن الديانه اليونانيه , ويأتى من بعده هسيود فى كتابه " انساب الآلهه " .
يصف لنا هوميروس آلهه الميكينيين فى هيئه اسره يحمل كبيرها اسم زيوس ويعيش افرادها من آلهه وإلاهات سواء من اخوه زيوس او ابنائه او بناته على جبل يسمى " اوليمبوس " ( ومن هنا جاءت تسميه هذه الآلهه بالآلهه الاوليمبيه ). ومن اهم صفات هذا الآلهه كما عكس خوميروس :
أ – هى قوى الطبيعه التى يتعامل معها الانسان سواء كانت خيره او شريره , لا تهتم بالانسان وانما تبحث عن رغباتها واهوائها
ب – تشابه فى صفاتها مع البشر فى كل شىء فيما عدا صفه الخلود والقوى الخارقه كارسال الصواعق او إثاره امواج البحر , وصفه المكانه العاليه التى توجب على البشر الرضوخ لمشيئتهم دون اعتراض او انتقاد لاعمالهم حتى ولو كانت اعمال سيئه او شريره .
وهذه الصوره تعكس هوه واسعه فى ديانه اليونان بين " اللاهوت والقيم الاخلاقيه " وهى بلا شك نقطه ضعف . ولعل هذا يفسر اسباب ازدهار الفكر الفلسفى اليونانى عنهم . حيث كان ضروره لملأ الفراغ الروحى والاجابه عن اسئله كانت ديانتهم عاجزه عن الاجابه عنها .
لا توجد عقيده وجود حياه اخرى بعد الموت . بل كان عالم الموتى عالم اشباح يسيطر عليعا هاديس اخو زيوس إله العالم السفلى .
اليونان بعد الغزو الدورى اوائل القرن التاسع ق.م :-
1 – الانتقال الى عصر استخدام الحديد , مما ادى الى تطور اساليب الحياه المدنيه خاصه للصناعه ووسائل المواصلات
2 – تطور " حياه المدن " وظهور نظام " دوله المدينه " polis التى تضم عدد من السكان تتمتع باستقلال سيايى ذاتى واكتفاء اقتصادى ذاتى الى اقصى حد ممكن . واحتكار " الارستقراط يين " الحكم فى هذه المدن .
3 – مع تقدم وسائل المواصلات واتصال العالم اليونانى اتصالا قويا ومباشرا بالعالم الخارجى , تعلم اليونانيون نظاما جديدا للكتابه اخذوه عن الفينيقيين .
4 – كذلك مع تزايد النشاط التجارى استخدم اليونانيون " النقود "
5 – قيام حركه استعماريه فى شتى انحاء البحر المتوسط , مما ادى الى انتشار العنصر اليونانى فى مناطق الاستعمار الجديده وهو ما ادى الى نتيجتين مهمتين :
أ – ترسيخ شعور اليونان بوحدتهم الحضاريه وانتمائهم الى نمط ثقافى واحد , بعد ان اقاموا وسط شعوب اجنبيه مختلفه عنهم فى اسلوب الحياه ونمط التفكير .
ب – استفاده الحضاره اليونانيه من اتصالها بشعوب العالم الخارجى , مما ادى الى تقدم المعرفه اليونانيه , فأخذوا عن المصريين الكثير فى مجالات العقائد والافكار وفنون العماره والنحت وأخذوا عن الفينيقيين عدد من الصناعات كبناء السفن الكبيره وحروف الكتابه بأشكالها وأسمائها وبالتالى ظهور الابجديه اليونانيه وأخذوا من البابليين علوم الفلك وحساب المقاييس والاوزان والساعه الشمسيه وأخذوا عن مملكه ليديا بآسيا الصغرى استخدام "النقو د ".
تطور الفكر اليونانى فى القرن السادس ق.م :-
مع تطور اليونان ومعارفهم بدأ ميلاد العلم والفلسفه على ايدى عدد من الفلاسفه " الطبيعيين " الذين اجتهدوا لتقديم تفسير منطقى لأصل الكون يخالف التفسير الدينى العينى الموجود فى اساطير الألهه .
طاليس : ابو الفلسفه اليونانيه , ويرى ان العنصر الاساسى الذى تتألف منه كافه العناصر هو الماء .
أناكسمينس : فقال ان العنصر الاساسى هو الهواء , فالروح هواء , واذا تكسف الهواء مندمجا مع البخار تحول الى ماء واذا امعنت فى تكسيفه تجول الى تراب , ثم صخرا .
آناكسمندر : اهمهم من حيث التفكير العلمى , وصاحب اول نظريه فى اصل الكون , ويرى بأنه " لا نهائى " واصله ليس " الماء " ولا " الهواء " وانما عنصر " لا نهائى خالد ولا حدود له " .
ولا شك ان ظهور هذه النظريات الفلسفيه كانت انعكاسا لضعف الديانه اليونانيه وعجزها عن تقديم ادله عقلانيه لما يدور فى الاذهان من اسئله فطريه عن امور الحياه والوجود .
أكسينوفاني س : ويرى " وحده الكون " وان هناك من بين الألهه إلها واحدا يتولى بقوه عقله توجيه الكون . ويرى ان فكره تعدد الألهه وما قاموا به من اساطير هو شىء من صنع خيال البشر . وهاجم الشاعرين هوميروس وهسيود قائلا " إن الألهه لا يمكن ان تسلك هذا السلوك المشين , بل إن القوه الإلهيه الموجهه للكون هى قوه عاقله " .
فنون الادب وبدايه المسرح اليونانى :-
ظلت اشعار هوميروس طوال القرنين التاسع والثامن ق.م هى الزاد الادبى للمجتمع اليونانى , وهى فتره كانت اوضاعها السياسيه والاجتماعي ه تتفق مع ما جاء به هوميروس من تمجيد الحكام من الملوك والنبلاء والارستقرا طيين ورفع انسابهم الى سلاله الآلهه .
ومع هسيود جاء التطور نحو انتاج ادبى يتحدث عن " ذاتيه الفرد " ففى عمليه " الاعمال والايام " و " أنساب الآلهه " بدأت تظهر الروح الفرديه التى تبحث عن حقوق الفرد والامل فى قيام مجتمع عادل .
ومع القرن السادس ق.م ظهر المسرح اليونانى . وترجع اصوله الى الاحتفالات الدينيه الخاصه بعباده الإله ديونوسيوس إله الحصاد والثمار والكروم , والاهم إله الخمر . وكانت هذه الاحتفالات تصور اسطوره آلامه وافراحه . ومن تصوير هذه الآلام نشأت الاصول الاولى للمسرحيه المعروفه بـ "التراجيدي ا " ( المآساه ) , ومن تصوير الافراح تطورت المسرحيه المعروفه بـ " الكوميديا " ( الملهاه ) .
وكان المسرح فى هذه الفتره يقدم نوعين من العروض : -
عرض " جاد " يعرف بـ " اغنيه ديونوسيوس " وهو استعراض غنائى يحكى قصه الإله .
اما النوع الثانى فهو عرض غنائى هزلى .
الحضاره اليونانيه فى القرن الخامس : -
يعتبر القرن الخامس ق.م بحق هو ابهى صور الحضاره اليونانيه ,تجلت فيه ابداعاتها فى كافه المجالات الفكر , الادب , العلم , الفن وكانت " اثينا " هى مركز هذه النهضه الشامله واكثر المدن اليونانيه اسهاما فى هذا الابداع . ويرجع ذلك الى :
1 – نجاح اثينا فى التصدى لخطر غزو جيوش الامبراطور يه الفارسيه , وهو صراع لم يكن متكافئا وكان نصر اثينا اشبه بمعجزه , وكذلك كان لهذا النصر رد فعل كبير فى نفوس الاثينيين , حيث اكسبهم ثقه كبيره فى النفس وف نظامهم السياسى .
2 – الديمقراطي ه :-
بدأ النظام الديمقراطى فى اثينا متواضعا على يد المشرع سولون فى القرن السادس ق.م الذى هدف الى اصلاح صلاحيات الطبقه العامه , وبعد حكم " الشعب لنفسه " وبعد انتصار اثينا فى الحرب الفارسيه وخروجها كقوه بحريه وحربيه , زاد الوعى لدى العامه باهميتهم فى تحقيق هذا الرخاء . وكان ذلك ايذانا بالتطبيق الكامل لمبدأ
" ان يتولى الشعب حكم نفسه بنفسه , وتصبح سلطته فوق كل السلطه " .
فاصبحت " الجمعيه العموميه " التى تضم كافه المواطنين الاثينيين هى العنصر الاول فى الدستور . واصبحت الوظائف متاحه للجميع طبقا للكفاءه
وهذا جاء من انتماء الاثينى ومواطنته وشعوره بانه اصبح عضوا عاملا فى المجتمع .
3 – الخطابه – الجدل – السوفسطائي ون :-
مع مشاركه المواطن الاثينى فى توجيه شئون مدينته , ظهرت حاجته الى تعلم اسليب الجدل لتأثير على جماهير المواطنين فى جلسات الجمعيه العموميه اة فى المحاكم القضائيه ( فوفقا للدستور الاثينى ومبدأ الاقتراع يمكن لاى مواطن ان يجد نفسه قاضيا فى محكمه شعبيه ) .
وكرد فعل لهذه الحاجه ظهر المعلمون السوفسطائي ون وتأثيرهم الكبير فى تكوين عقليه الشباب . غير انهم فى كثير من الاحيان كانوا يلبسون الباطل ثوب الحق للمغالطه من اجل كسب قضيه خلافيه .
4 – نهضه المسرح الاثينى :-
يعتبر المسرح من اهم مظاهر الحياه الثقافيه التى ارتبطت بحياه المواطن الاثينى فى القرن الخامس ق.م .
وقد تطورت المسرحيه التراجيديه من حيث المضمون او التكنيك المسرحى على يد كتاب التراجيديا الثلاثه الكبار ايسخولوس وسوفوكليس ويوربيديس وفى الوقت الذى اهتم الكاتبان الاولين بالتكنيك المسرحى من حيث الملابس والاقنعه وعدد الممثلين والادوار ,اهتم يوربيديس بمضمون المسرحيه الذى اصبح واقعيا يتناول المشكلات الخاصه بالمرأه والتزمت الدينى ومعاناه البشر من الحروب .
اما المسرحيه الكوميديه فقد بلغت قمه التطور على يد اريستوفاني س , وكانت موضوعات النقد السياسى والاجتماعى محور لمسرحياته .